يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا أَوْجَبَهُ مِنْ فُرُوضٍ أَنْ تُؤَدَّى إِلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا أَخَذَهُ اللَّهُ مِنَ الذُّرِّيَّةِ فِي ظُهُورِ الْآبَاءِ مِنَ الِاعْتِرَافِ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وِإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) {الأعراف: ٧٢) . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا اليمن؟ فَلَمَّا كَانَ هُنَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا وَجَبَ أَنْ يُرْجَعَ فِيهِ إِلَى نِيَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَإِنْ أَرَادَ يَمِينًا كَانَتْ يَمِينًا، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ لَمْ تَكُنْ يَمِينًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ وَأَطْلَقَ، فَفِي إِطْلَاقِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ إِطْلَاقَهُ يُخْرِجُهُ عَنِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ عُرْفُ شَرْعٍ، وَتَكُونُ غَيْرَ يَمِينٍ فِي حَالَتَيْنِ، وَيَمِينًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ إِطْلَاقَهُ يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ عُرْفَ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ قَدْ صَارَ جَارِيًا وَمَحْمُولًا بَيْنَهُمْ عَلَى زِيَادَةِ التَّغْلِيظِ، كَمَا يَزِيدُ فِي تَغْلِيظِ الْأَيْمَانِ بِاللَّهِ الطَّالِبِ الْغَالِبِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، فَتَكُونُ يَمِينًا في حالتين، غير يَمِينٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِذَا صَارَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ يَمِينًا، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ: تَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ لِوُجُوبِهَا بِكُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا، فَتَضَاعَفَتْ بِاجْتِمَاعِهِمَا، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ زَادَهَا تَغْلِيظًا، فَلَمْ تَجِبْ بِهَا إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ الطَّالِبِ الْغَالِبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute