للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْقَدِيمُ إنَّهُ يَجُوزُ مَعَهُ الْبِنَاءُ وَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّتَابُعُ كَالْحَيْضِ، تَعْلِيلًا بِأَنَّهُ فطر بعذر، لا يمكن مع الصوم.

والقول الثاني: وهو الجديد يجب مع الِاسْتِئْنَافُ، وَيَنْقَطِعُ بِهِ التَّتَابُعُ، تَعْلِيلًا بِأَنَّهُ لَا يُعْتَادُ اسْتِمْرَارُهُ.

وَالْعُذْرُ الثَّالِثُ: الْفِطْرُ بِالسَّفَرِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْفِطْرَ بِالْمَرَضِ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، فَالْفِطْرُ بِالسَّفَرِ أَوْلَى أَنْ يَقْطَعَهُ.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْفِطْرَ بِالْمَرَضِ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فَفِي قَطْعِهِ بِالسَّفَرِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَقْطَعُهُ وَيَجُوزُ مَعَهُ الْبِنَاءُ، لِأَنَّهُ فِطْرٌ بِعُذْرَيْنِ قَدْ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي الْإِبَاحَةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَقْطَعُ التَّتَابُعَ وَيُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ، لِأَنَّ فِطْرَهُ بِالْمَرَضِ ضَرُورَةٌ وَبِالسَّفَرِ عَنِ اخْتِيَارٍ، وَلِذَلِكَ إِذَا مَرِضَ فِي يَوْمٍ كَانَ صَحِيحًا فِي أَوَّلِهِ أَفْطَرَ، وَلَوْ سَافَرَ فِي يَوْمٍ كَانَ سَقِيمًا فِي أَوَّلِهِ لَمْ يُفْطِرْ.

وَالْعُذْرُ الرَّابِعُ: أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ فِي تَضَاعِيفِ صِيَامِهِ جُنُونٌ أَوْ إِغْمَاءٌ، فَإِنْ قِيلَ فِي الْمَرَضِ يَبْنِي فَهَذَا أَوْلَى، وَإِنْ قِيلَ فِي الْمَرَضِ يَسْتَأْنِفُ فَفِي الِاسْتِئْنَافِ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَسْتَأْنِفُ كَالْمَرِيضِ.

وَالثَّانِي: يَبْنِي وَلَا يَسْتَأْنِفُ لِأَنَّ الصَّوْمَ مَعَ الْمَرَضِ يَصِحُّ، وَمَعَ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ لَا يَصِحُّ وَأَمَّا أَعْذَارُ الزَّمَانِ فَهُوَ أَنْ يَتَخَلَّلَ مُدَّةَ صِيَامِهِ زَمَانٌ لَا يَجُوزُ صِيَامُهُ مِثْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ، فَهَذَا قَاطِعٌ لِلتَّتَابُعِ وَمُوجِبٌ لِلِاسْتِئْنَافِ، وَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ مِنْهُ مُمْكِنٌ، وَهَكَذَا لَوْ تَخَلَّلَ صِيَامَهُ شَهْرُ رَمَضَانَ قُطِعَ التَّتَابُعُ، فَأَمَّا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَمَا تَقَدَّمَهُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ قُطِعَ التَّتَابُعُ، فَأَمَّا الِابْتِدَاءُ بِصِيَامِهَا فِي الْكَفَّارَةِ فَقَدْ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَرَى فِي الْقَدِيمِ جَوَازَ صِيَامِهَا فِي كَفَّارَةِ تَمَتُّعِهِ، لِقَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ فِي الحَجِّ) {البقرة: ١٩٦) ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فِي الْجَدِيدِ، وَمَنَعَ مِنْ صِيَامِهَا لِلْمُتَمَتِّعِ وَغَيْرِهِ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ صِيَامِهَا، وَقَوْلِهِ: " إِنَّهَا أَيَّامُ أكلٍ وشربٍ وبعالٍ، فَلَا تَصُومُوهَا " فَإِنْ مَنَعَ مِنْ صِيَامِهَا لِلْمُتَمَتِّعِ، كَانَ غَيْرُ الْمُتَمَتِّعِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، وَإِنْ جَوَّزَ صِيَامَهَا لِلْمُتَمَتِّعِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُصَامَ تَطَوُّعًا لِغَيْرِ سَبَبٍ، وَفِي جَوَازِ صِيَامِهَا بِسَبَبٍ مُوجِبٍ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ كَالْمُتَمَتِّعِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>