رُؤُوسِ الْحِيتَانِ مَعَ رُؤُوسِ النَّعَمِ، وَيَحْنَثُ أَهْلُ الْفَلَوَاتِ، فِي بِلَادِ الرِّيفِ بِأَكْلِ رُؤُوسِ النَّعَمِ، وَأَكْلِ رُؤُوسِ الصَّيْدِ، وَيَحْنَثُ أَهْلُ الْبِحَارِ فِيهَا بِأَكْلِ رُؤُوسِ الْحِيتَانِ، وَبِأَكْلِ رُؤُوسِ النَّعَمِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إنَّهُ يَزُولُ عَنْهُمْ فِي بِلَادِهِمْ بِانْتِقَالِهِمْ عَنْهَا، فَلَا يَحْنَثُ أَهْلُ الْفَلَوَاتِ وَالْبِحَارِ فِي بِلَادِ الرِّيفِ إِلَّا بِرُؤُوسِ النَّعَمِ.
وَلَا يَحْنَثُ أَهْلُ الرِّيفِ فِي بِلَادِ الْفَلَوَاتِ إِلَّا بِرُؤُوسِ الصَّيْدِ، وَفِي بِلَادِ الْبِحَارِ إِلَّا بِرُؤُوسِ الْحِيتَانِ.
فَهَذَا حُكْمُ التَّعْلِيلِ فِي هَذَا الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: فِي تَعْلِيلِ حِنْثِهِ بِرُؤُوسِ النَّعَمِ أَنَّ عُرْفَ كَلَامِهِمْ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهَا، وَإِفْرَادُ أَكْلِهَا مُخْتَصٌّ بِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ مِمَّنْ قَالَ: أكلت الرؤوس إلا رؤوس النعم، وغيرها يؤكل مع أجسادها.
وفي التعليل تميز مِنْ وَجْهٍ، وَامْتِزَاجٌ مِنْ وَجْهٍ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يَكُونُ عُرْفُ الْبَلَدِ خَاصًّا فِيهِ أَوْ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وهو الظاهر في مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّهُ يَصِيرُ عاماً فِي الْبِلَادِ كُلِّهَا، فَيَحْنَثُ جَمِيعُهُمْ بِرُؤُوسِ النَّعَمِ الثَّلَاثَةِ.
وَإِنْ عَرَفْنَا أَنَّ لِبَعْضِ الْبِلَادِ عُرْفًا فِي الْبِلَادِ كُلِّهَا، فَيَحْنَثُ جَمِيعُهُمْ بِرُؤُوسِ النَّعَمِ الثَّلَاثَةِ وَرُؤُوسِ الصَّيْدِ وَالْحِيتَانِ، حَنِثَ جَمِيعُ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ لَمْ يَحْنَثُوا.
وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا خَصَّ الْحِنْثَ بِرُؤُوسِ النَّعَمِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ عُرْفَ بَلَدٍ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ عَلِمَ لَحَنَّثَ بِهَا جَمِيعَ النَّاسِ كَمَا حَنَّثَ بِرُؤُوسِ النَّعَمِ وَلِذَلِكَ حَنَّثَ الْقَرَوِيَّ إِذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا، فَسَكَنَ بَيْتَ مِنْ بُيُوتِ الْبَادِيَةِ، لِأَنَّ عُرْفَ الْبَادِيَةِ جَارٍ بِهِ، كَمَا أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ وَعَادَتُهُ خُبْزُ الْبُرِّ، فَأَكَلَ خُبْزَ الشَّعِيرِ، حَنِثَ بِهِ، لِأَنَّ عُرْفَ أَهْلِ الْفَاقَةِ جاز بِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ، إنَّ عُرْفَ كُلِّ بَلَدٍ مَخْصُوصٌ فِي أَهْلِهِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ.
فَعَلَى هَذَا يَحْنَثُ أَهْلُ الْحِجَازِ بِرُؤُوسِ النَّعَمِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اعْتِبَارًا بِعُرْفِهِمْ وَيَحْنَثُ أَهْلُ الكوفة برؤوس البقر والغنم، ولا يحنث بِرُؤُوسِ الْإِبِلِ اعْتِبَارًا بِعُرْفِ أَهْلِهَا، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَيَحْنَثُ أَهْلُ بَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ بِرُؤُوسِ الْغَنَمِ، وَلَا يَحْنَثُونَ بِرُؤُوسِ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ، كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ