وَالضَّرْبُ الثَّانِي فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ: أَنْ تَكُونَ لَهُ حَقِيقَةٌ وَلَيْسَ لَهُ مَجَازٌ، فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مُبْهَمٌ، وَمُعَيَّنٌ، وَمُطْلَقٌ، وَمُقَيَّدٌ.
فَالْمُبْهَمُ أَنْ يَقُولَ: لَا كَلَّمْتُ رَجُلًا، فَيَحْنَثُ بِكُلِّ مَنْ كَلَّمَهُ مِنَ الرِّجَالِ، وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ.
وَالْمُعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ: لَا كَلَّمْتُ زَيْدًا فَيَحْنَثُ بِكَلَامِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، وَلَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ غَيْرِهِ.
وَالْمُطْلَقُ أَنْ يَقُولَ: لَا شَرِبْتُ مَاءً، فَإِطْلَاقُهُ أَنْ لَا يَذْكُرَ لَهُ قَدْرًا، وَلَا يُعَيِّنَ لَهُ زَمَانًا أَوْ مَكَانًا، فَيَحْنَثُ بِشُرْبِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ إِذَا شَرِبَهُ صَرْفًا، فَإِنْ مَزَجَهُ بِغَيْرِهِ حَنِثَ إِذَا غُلِبَ عَلَى غَيْرِهِ بِلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ، وَلَمْ يَحْنَثْ إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خَلًّا، فَأَكَلَ سِكْبَاجًا أَوْ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا، فَأَكَلَ عَصِيدًا.
وَالْمُقَيَّدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: مُقَيَّدًا بِمَكَانٍ كَقَوْلِهِ: لَا شَرِبْتُ بِالْبَصْرَةِ، فَلَا يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ فِي غَيْرِهَا.
وَمُقَيَّدًا بِزَمَانٍ كَقَوْلِهِ: لَا شَرِبْتُهُ شَهْرًا، فَلَا يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ بَعْدَهُ.
وَمُقَيَّدًا بِصِفَةٍ كَقَوْلِهِ: لَا شَرِبْتُهُ صَرْفًا، فَلَا يَحْنَثُ بِشُرْبِهِ مَمْزُوجًا.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حَنِثَ بِالْمُبْهَمِ فِي الْمُعَيَّنِ، وَلَمْ يَحْنَثْ فِي الْمُعَيَّنِ بِالْمُبْهَمِ، وَحَنِثَ فِي الْمُطْلَقِ بِالْمُقَيَّدِ، وَلَمْ يَحْنَثْ فِي الْمُقَيَّدِ، بِالْمُطْلَقِ لِعُمُومِ الْمُبْهَمِ وَالْمُطْلَقِ وَخُصُوصِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُقَيَّدِ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْمُبْهَمِ مُعَيَّنًا، وَبِالْمُطْلِقِ مُقَيَّدًا حُمِلَ عَلَى إِرَادَةِ لَفْظِهِ، فَجُعِلَ الْمُبْهَمُ مُعَيَّنًا، وَالْمُطَلَّقُ مُقَيَّدًا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إِنْ كَانَ حَالِفًا بِاللَّهِ، وَفِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ إِنْ كَانَ حَالِفًا بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا شَمِلَهُ عُمُومُ الْجِنْسِ، فَصَارَ كَتَخْصِيصِ الْعُمُومِ فِي النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَا يَحْنَثُ فِي إِبْهَامِ قَوْلِهِ: لَا كَلَّمْتُ رَجُلًا، وَقَدْ أَرَادَ زَيْدًا إِلَّا بِكَلَامِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الرِّجَالِ، وَلَا يَحْنَثُ فِي إِطْلَاقِ قَوْلِهِ: لَا شَرِبْتُ مَاءً، وَقَدْ أَرَادَ شَهْرًا أَلَّا يَشْرَبَهُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ.
فَأَمَّا عَكْسُ هَذَا إِذَا أَرَادَ بِالْمُعَيَّنِ مُبْهَمًا، وَبِالْمُقَيَّدِ مُطْلَقًا حُمِلَ عَلَى لَفْظِهِ فِي التَّعْيِينِ وَالتَّقْيِيدِ، وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى إِرَادَتِهِ فِي الْإِبْهَامِ وَالْإِطْلَاقِ، لِأَنَّ مَا يُجَاوِزُ الْمُعَيَّنَ وَالْمُقَيَّدَ خَارِجٌ مِنْ لَفْظِ الْيَمِينِ فَصَارَ مُرَادًا بِغَيْرِ يَمِينٍ، فَلَا يَحْنَثُ فِي تَعْيِينِ قَوْلِهِ: لَا كلمت زيداً هذا، وقد أرد كُلَّ الرِّجَالِ إِلَّا بِكَلَامِ زَيْدٍ وَحْدَهُ، وَلَا يَحْنَثُ فِي تَقْيِيدِ قَوْلِهِ: لَا شَرِبْتُ الْمَاءَ فِي شَهْرِي هَذَا، وَقَدْ أَرَادَ كُلَّ الشُّهُورِ عَلَى الْأَبَدِ أَنْ لَا يَشْرَبَهُ فِيهِ وَحْدَهُ.
وَتَعْلِيلُهُ بِمَا ذَكَرْنَا وَشَاهِدُهُ مِنَ الطَّلَاقِ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ، يُرِيدُ بِهَا ثَلَاثًا، فَتُطَلَّقُ وَاحِدَةً وَلَا تُطَلَّقُ ثَلَاثًا، لِأَنَّهُ قد صرح بنفيها في لَفْظِهِ، فَلَمْ تَقُعْ بِمُجَرَّدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute