وَدَلِيلُنَا: مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ قِيلَ: وَمَا تَزْهي؟ قَالَ: حَتَى تَحْمَارَّ أَوْ تَصْفَارَّ ".
وَالدَّلِيلُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّ الْفَوَاكِهَ هِيَ الثِّمَارُ وَالرُّطَبُ وَالْعِنَبُ مِنْ أَجَلِّهَا.
وَالثَّانِي: إنَّهُ جَعَلَ الِاحْمِرَارَ وَالِاصْفِرَارَ مُبِيحًا لِبَيْعِهَا، وَهَذَا مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُهَا، وَلِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى دُخُولِ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ فِي الْفَاكِهَةِ، فَرُوِيَ عَنْ يُونُسَ النَّحْوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الرُّمَّانُ وَالنَّخْلُ مِنْ أَفْضَلِ الْفَاكِهَةِ، وَإِنَّمَا قصدا بالذكر لفضلهما، واستشهد بقوله اللَّهِ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ عَدُواً للهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ) {البقرة: ٩٨) . فَذَكَرَ الْمَلَائِكَةَ، وَخَصَّ جبريل وميكائيل بِالذِّكْرِ، وَإِنْ كَانَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِفَضْلِهِمَا.
وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْفَاكِهَةُ، الثِّمَارُ كُلُّهَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ: الرُّطَبُ وَالرُّمَّانُ مِنَ الْفَوَاكِهِ، وَفُضِّلَا بِالذِّكْرِ عَلَى جَمِيعِهَا، وَهَؤُلَاءِ فِي اللُّغَةِ قُدْوَةٌ مُتَّبَعُونَ وَلَا يَسُوغُ خِلَافُهُمْ فِيهَا، وَلِأَنَّ اسْمَ الْفَاكِهَةِ مُشْتَقٌّ مِنَ التَّفَكُّهِ بِهَا، وَهِيَ الِاسْتِطَابَةُ مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يُتَفَكَّهُ بِكَلَامِهِ أَيْ: يُتَطَارَبُ بِهِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَالرُّمَّانِ أَوْفَى مِنْ وُجُودِهِ مِنْ غَيْرِهَا، فَكَانَ أَحَقَّ بِاسْمِهَا، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ الْجَمْعُ فِي الْجِنْسِ بَيْنَ خُصُوصٍ وَعُمُومٍ بِمَانِعٍ مِنْ دُخُولِ الْخُصُوصِ فِي الْعُمُومِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى} (البقرة: ٢٣٨) . فَدَخَلَتْ فِي عُمُومِ الصَّلَوَاتِ، وَإِنْ خُصَّتْ بالذكر. وكقوله: {وَإذَا أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} فَدَخَلَ فِي عُمُومِ الْأَنْبِيَاءِ مَعَ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ.
قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّمَا يَدْخُلُ الْخُصُوصُ فِي الْعُمُومِ إِذَا تَأَخَّرَ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إذا تقدم.
قِيلَ: هَذِهِ دَعْوَى لَا يَشْهَدُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا دَلِيلٌ، وَإِنْ سَلِمَ ذَلِكَ لَكُمْ، فَقَدْ تَأَخَّرَ خصوص قوله: {فِيهَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} على عموم الفاكهة، فوجب أن يدخلا فيها.
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي دُخُولِ الْعِنَبِ وَالرُّمَّانِ فِي الْفَاكِهَةِ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ.
وَأَمَّا الرُّطَبُ، فَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجْعَلُهُ مِنَ الْفَاكِهَةِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يَقِلُّ فِيهَا كَبَغْدَادَ، وَلَا يَجْعَلُهَا مِنَ الْفَاكِهَةِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا كَالْبَصْرَةِ، وذهب جمهورهم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute