الْمَقْدِسِ، أَوْ يَنْذِرَ الْمَشْيَ إِلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَفِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ بِالْمَشْيِ إِلَيْهِمَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَنْقُولُ هَاهُنَا، وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَنَّ نَذْرَهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إِلَيْهِ لِرِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَلِّ هَاهُنَا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ صَلِّ هَاهُنَا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ قَالَ شَأْنُكَ " إِذَنْ فَلَوْ وَجَبَ هَذَا النَّذْرُ؛ لَبَدَأَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْأَمْرِ بِهِ وَلِأَنَّهُمَا لَا يَجِبُ قَصْدُهُمَا بِالشَّرْعِ؛ فَلَمْ يَجِبْ قَصْدُهُمَا بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْمَسَاجِدِ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْصَارِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ يَقْرِنْ بِالْمَشْيِ إِلَيْهَا عِبَادَةً سَقَطَ حُكْمُ النَّذْرِ، وَإِنْ قَرَنَ بِالْمَشْيِ إِلَيْهَا عِبَادَةً شَرْعِيَّةً مِنْ صَلَاةٍ، أَوْ صِيَامٍ، أَوِ اعْتِكَافٍ لَزِمَهُ مَا نَذَرَ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صِيَامٍ أَوِ اعْتِكَافٍ وَلَمْ يَلْزَمْهُ نَذْرُهُ فِي الْمَشْيِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَجَازَ أَنْ يُصَلِّيَ، وَيَصُومَ فِي مسجدٍ، وَغَيْرِ مسجدٍ، وَجَازَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ نَذْرَهُ بِالْمَشْيِ إِلَيْهِمَا مُنْعَقِدٌ وَالْوَفَاءَ بِهِ وَاجِبٌ؛ لِرِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مساجدٍ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي " هَذَا فَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شَدَّ الرَّحَالِ وُجُوبًا إِلَّا إِلَيْهَا؛ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ شَدِّهَا إِلَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَلِأَنَّهُمَا قَدْ كَانَا مَقْصُودَيْنِ فِي الشَّرْعِ بِعِبَادَةٍ وَاجِبَةٍ.
وَأَمَّا الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى؛ فَقَدْ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ قِبْلَةً يُصَلَّى إِلَيْهِ.
وَأَمَّا مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ فقد كان مقصوداً بوجوب الهجرة إليه؛ ففارقها مَا عَدَاهُمَا مِنْ سَائِرِ مَسَاجِدِ الْأَمْصَارِ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ؛ فَفَارَقَاهَا أَيْضًا فِي حُكْمِ النَّذْرِ.
فَعَلَى هَذَا لَا يَخْلُو نَذْرُهُ فِي الْمَشْيِ إِلَيْهَا مِنْ أَنْ يَتَضَمَّنَ عِبَادَةً فِيهِ، أَوْ لَا يَتَضَمَّنَ عِبَادَةً فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ فِيهِ عِبَادَةً وَاقْتَصَرَ عَلَى أَنَّ نَذْرَ الْمَشْيِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ؛ لَزِمَهُ الْمَشْيُ إِلَيْهِمَا، وَفِي الْتِزَامِهِ فِعْلَ الْعِبَادَةِ فِيهِمَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ قَصْدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِنَذْرِهِ، وَيَكُونُ النَّذْرُ مَقْصُورًا عَلَى التَّبَرُّرِ بِقَصْدِهِمَا وَالْمُشَاهَدَةِ لَهُمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ فِي الْقَصْدِ إِلَيْهِمَا فِعْلُ عِبَادَةٍ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ إِنَّمَا تُقْصَدُ لِلْعِبَادَةِ دُونَ الْمُشَاهَدَةِ.
فَعَلَى هَذَا فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْعِبَادَةِ فِيهِمَا وَجْهَانِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute