الطَّلَبُ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ بِهِ مَأْجُورٌ، لِأَنَّهُ يَقْصِدُ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: وَهُوَ الطَّلَبُ الْمَحْظُورُ: أَنْ يَقْصِدَ بِطَلَبِهِ انْتِقَامًا مِنْ أَعْدَاءٍ أَوْ تَكَسُّبًا بِارْتِشَاءٍ، فَهَذَا الطَّلَبُ مَحْظُورٌ يَأْثَمُ بِهِ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ مَا يَأْثَمُ بِفِعْلِهِ.
وَأَمَّا الْحَالُ الثَّالِثَةُ: وَهُوَ الطَّلَبُ الْمُبَاحُ فَهُوَ أَنْ يَطْلُبَهُ لِاسْتِمْدَادِ رِزْقِهِ أَوِ اسْتِدْفَاعِ ضَرَرٍ فَهَذَا الطَّلَبُ مُبَاحٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ مُبَاحٌ.
وَأَمَّا الْحَالُ الرَّابِعَةُ: وَهُوَ الطَّلَبُ الْمَكْرُوهُ، فَهُوَ أَنْ يَطْلُبَهُ لِلْمُبَاهَاةِ وَالِاسْتِعْلَاءِ بِهِ فَهَذَا الطَّلَبُ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ مَكْرُوهٌ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: ٨٣] .
وَأَمَّا الْحَالُ الْخَامِسَةُ: وَهُوَ الطَّلَبُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَهُوَ أَنْ يَطْلُبَهُ رَغْبَةً فِي الْوِلَايَةِ وَالنَّظَرِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ مَعَ اخْتِلَافِ السَّلَفِ قَبْلَهُمْ وَاخْتِلَافُ أَصْحَابِنَا مَعَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ طَالِبًا وَيُكْرَهُ أَنْ يُجِيبَ إِلَيْهِ مَطْلُوبًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَمَكْحُولٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَمَنْ تَخَشَّنَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وطلب السلامة لرواية سعيد ابن أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: مَنِ اسْتَقْضَى فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ " وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ يَتَحَمَّلُهَا رُبَّمَا قَصَّرَ فِيهَا أَوْ عَجَزَ عَنْهَا وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} الآية [الأحزاب: ٧٣] .
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ طَالِبًا، وَأَنْ يُجِيبَ إِلَيْهِ مَطْلُوبًا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَمَسْرُوقٍ وَمَنْ تَسَاهَلَ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَمَالَ إِلَى التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ حَتَّى يَنَالَهُ فَإِنْ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَإِنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ ". وَلِأَنَّهُ فَرْضٌ لَا يُؤَدَّى إِلَّا بِالتَّعَاوُنِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] .
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَعْدَلُهَا: يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ طَالِبًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجِيبَ إِلَيْهِ مَطْلُوبًا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَوَسِّطِينَ فِي الْأَمْرِ مِنَ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute