للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَعْتَبِرُوا مَعْنَى الْأَصْلِ فِي عُمُومٍ وَلَا خُصُوصٍ، لِاعْتِمَادِهِمْ عَلَى الْمَنْصُوصِ دُونَ الْمَعَانِي.

وَلِأَنَّ النَّصَّ لَا يُرْفَعُ بِالتَّعْلِيلِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَسْخًا بِهَا:

وَلِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَ حُكْمُ هَذَا التَّقْيِيدِ الْمَشْرُوطِ لَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ حُكْمُ أَصْلِهِ.

وَلَوِ اسْتَقَرَّ أَصْلُ هَذَا لَسَقَطَتْ أَحْكَامُ النُّصُوصِ كُلُّهَا. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَدْفُوعٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ:

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: ٣١] وَلَيْسَ يُسْتَبَاحُ قَتْلُهُمْ مَعَ أَمْنِ الْإِمْلَاقِ كَمَا لَا يُسْتَبَاحُ مَعَ وُجُودِهِ.

وَقَالَ {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: ٣٣] وَلَا يَجُوزُ إِكْرَاهُهُنَّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْنَ تُحَصُّنًا.

وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦] وَهُوَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَظْلِمَ فِيهِنَّ وَلَا فِي غَيْرِهِنَّ.

فَلَمَّا سَقَطَ حُكْمُ التَّقْيِيدِ فِي هَذَا وَلَمْ يَصِرْ نَسْخًا جَازَ أَنْ يَسْقُطَ فِي غَيْرِهِ وَلَا يَكُونُ نَسْخًا، فَإِنْ خُصَّ هَذَا بِدَلِيلٍ فَقَدْ جَعَلُوا لِلدَّلِيلِ تَأْثِيرًا فِي إِسْقَاطِ التَّقْيِيدِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.

فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا سَقَطَ حُكْمُ التَّقْيِيدِ صَارَ لَغْوًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ.

قِيلَ: يَحْتَمِلُ ذِكْرُ التَّقْيِيدِ مَعَ سُقُوطِ حُكْمِهِ أُمُورًا مِنْهَا:

أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ مَأْخُوذًا مِنْ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ لِيَسْتَعْمِلَهُ الْمُجْتَهِدُ فِيمَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نصا فإن أكثر الحوادث غير نصوص.

وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ التَّقْيِيدُ تَنْبِيهًا عَلَى غَيْرِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: ٧٥] فَنَبَّهَ بِالْقِنْطَارِ عَلَى الْكَثِيرِ وَنَبَّهَ بِالدِّينَارِ عَلَى الْقَلِيلِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِيهِمَا سَوَاءً.

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ هُوَ الْأَغْلَبَ مِنْ أَحْوَالِ مَا قُيِّدَ بِهِ، فَيَذْكُرُهُ لِغَلَبَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] وَإِنْ كَانَتْ مُفَادَاةُ الزَّوْجَيْنِ تَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الْخَوْفِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ مِنَ الْمُفَادَاةِ أَنْ تَكُونَ مَعَ الْخَوْفِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>