للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ رَوَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: الْقُرْآنُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ: " حَلَالٌ فَاتَّبِعْهُ، وَحَرَامٌ فَاجْتَنِبْهُ، وَمُتَشَابِهٌ يُشْكَلُ عَلَيْكَ فَكِلْهُ إِلَى عَالِمِهِ ".

وَإِذَا وَضَحَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَمَا تَضَمَّنَهُ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْأَعْلَامِ يَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مُحْكَمٌ فِي أَحْوَالِهِ.

وَالثَّانِي: مُتَشَابِهٌ فِي أَحْوَالِهِ.

وَالثَّالِثُ: مُتَشَابِهٌ فِي حَالٍ وَمُحْكَمٌ فِي حَالٍ.

وَالرَّابِعُ: مُحْكَمٌ مِنْ وَجْهٍ وَمُتَشَابِهٌ مِنْ وَجْهٍ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُحْكَمُ فِي الْأَحْوَالِ فَضَرْبَانِ: مَفْهُومٌ، وَمَعْقُولٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَفْهُومَ مَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى فِكْرٍ، وَالْمَعْقُولُ مَا احْتَاجَ إِلَى فِكْرٍ.

وَالْمَفْهُومُ: ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا فُهِمَ صَرِيحُ لَفْظِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي تَحْرِيمِ الْمَنَاكِحِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] الْآيَةَ.

وَالثَّانِي: مَا فُهِمَ بِمَخْرَجِ خِطَابِهِ مِثْلِ قَوْلِهِ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْقِمَارِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠] فَدَلَّ وَضْعُ الْخِطَابِ عَلَى تَحْرِيمِهِ.

وَالْمَعْقُولُ: ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا عُلِمَ بِالتَّنْبِيهِ كَقَوْلِهِ: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: ١١] نَبَّهَ بِثُلُثِ الْأُمِّ عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ لِلْأَبِ.

وَالثَّانِي: مَا عُلِمَ بِالِاسْتِدْلَالِ: مِثْلُ تَقْدِيرِ أَقَلِّ الْحَمْلِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بِقَوْلِهِ {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: ١٤] دَلَّ بِقَوْلِهِ {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] عَلَى أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ ثَلَاثِينَ شَهْرًا هُوَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ.

فَهَذِهِ الضُّرُوبُ الْأَرْبَعَةُ وَنَظَائِرُهَا مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مُتَشَابِهَةٍ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمُتَشَابِهُ فِي الْأَحْوَالِ: فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا تَلَوَّحَتْ فِيهِ إِشَارَةٌ يُحْتَمَلُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا كَقَوْلِهِ فِي الْكَلَالَةِ: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: ١٢] فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الْكَلَالَةِ. فَقَالَ: " تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ " يَعْنِي قَوْلَهُ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: ١٧٦] ... الآية

<<  <  ج: ص:  >  >>