وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ إِمَامَةُ الْقَاعِدِ جَائِزَةٌ، وَيُصَلِّي مَنْ خَلْفَهُ قَاعِدًا وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَقَيْسُ بْنُ قَهْدٍ، فَمَنْ قَالَ بِقَوْلِ مَالِكٍ اسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا " وَلِأَنَّ المأموم إذا أكمل ما إِمَامِهِ بِرُكْنٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِائْتِمَامُ بِهِ القارئ بِالْأُمِّيِّ
وَاسْتَدَلَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ بِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ مِنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ فَصَلَّى قَاعِدًا وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ قِيَامًا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، وَإِذَا رَكَعَ فاركعوا، وإذا صلى قائماً فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعِينَ
وَبِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ركب فرساً فصرع فوقع على جِزع نَخْلَةٍ، فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ فَجِئْنَاهُ نعودُه وَهُوَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَصَلَّى التَّطَوُّعَ فَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ جِئْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى وَهُوَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ فَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْنَا أَنِ اقْعُدُوا فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعِينَ وَلَا تَفْعَلُوا كَمَا تَفْعَلُ الفُرس بعُظمائها
وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ مِنَ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ رِوَايَةً مُسْتَفِيضَةً، وَنَقْلًا متواتراً: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ ثُمَّ وَجَدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خِفَّةً فَخَرَجَ يَتَوَكَّأُ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَتَنَحْنَحَ النَّاسُ أَبَا بكر فتأخر قليلا، وَكَانَ هَذَا فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، بَلْ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى وَمَاتَ فِي يَوْمِهِ فَكَانَ الْأَخْذُ بِهِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَذَلِكَ سنه على أن قوله مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالْقُعُودِ خَلْفَ الْقَاعِدِ ثُمَّ يُقِرُّهُمْ بِالْقِيَامِ خَلْفَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ خَاصَّةً أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ الصَّلَاةُ صَحَّ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا كَالْقَائِمِ قِيَاسًا عَلَى الْقَائِمِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَحْمَدُ عَلَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قعوداً أجمعين "، فموضع الدليل منه تجوز إِمَامَةِ الْقَاعِدِ، وَلَيْسَ عَلَى وُجُوبِ الْقِيَامِ عَلَى الْمَأْمُومِ مَانِعٌ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْخَبَرِ فِي جَوَازِ إِمَامَةِ الْقَاعِدِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَحْمَدَ خَاصَّةً، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: وَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ فَلَمْ يُجِزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا
أَصْلُهُ: إِذَا كان إمامه قائماً، أو كان منفرداً، ولا اتِّبَاعَ الْإِمَامِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ رُكْنًا مُقَرَّرًا عَلَيْهِ وَلَا يُلْجِئُهُ إِلَى مَا لَا يَلْزَمُهُ فِي حَالِ الْعَجْزِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا يُسْقِطُهُمَا اتِّبَاعُ الْإِمَامِ وَلَا يَحْمِلُهُمَا إِلَى الْإِيمَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute