بِالْوِصَالِ فِي الصِّيَامِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْهُ، فَيُؤْخَذُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ، وَيُعْدَلُ عَنْ خُصُوصِ فِعْلِهِ.
وَالضَّرْبُ الثالث: أن لا يمكن استعمالهما لا تَبَيُّنُ اخْتِصَاصِهِ بِأَحَدِهِمَا فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ التأخر مِنْهُمَا نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ.
وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ لَا يُنْسَخُ إِلَّا بِالْقَوْلِ، وَالْفِعْلَ لَا يُنْسَخُ إِلَّا بِالْفِعْلِ.
وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إِلَى جَوَازِ نَسْخِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُنَّةٌ يُؤْخَذُ بِهَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ فِي السَّارِقِ " فَإِنْ عَادَ فِي الْخَامِسَةِ فَاقْتُلُوهُ " ثُمَّ رَفَعَ إِلَيْهِ فِي الْخَامِسَةِ فَلَمْ يَقْتُلْهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ مَنْسُوخٌ وَقَالَ: " الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ " ثُمَّ رَجَمَ مَاعِزًا وَلَمْ يَجْلِدْهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْجَلْدَ مَنْسُوخٌ، وَقَالَ فِي الْإِمَامِ: " وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعِينَ " ثُمَّ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ قاعدا وصلوا خلفه قياسا فدل على أن القعود منسوخ.
فعل مَذْهَبِ مَنْ جَوَّزَ نَسْخَ الْقَوْلِ بِالْفِعْلِ جَعَلَ فِعْلَهُ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخًا لِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَعَلَى الظَّاهِرِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ لَا يُنْسَخُ بِالْفِعْلِ، لَكِنْ يَسْتَدِلُّ بِفِعْلِهِ الْمُخَالِفِ لِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى فِعْلِهِ قَوْلٌ نَسَخَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ثُمَّ وَرَدَ فِعْلُهُ الْمُخَالِفُ بَعْدَ قَوْلِهِ النَّاسِخِ فَاقْتَصَرَ النَّاسُ عَلَى نَقْلِ الْفِعْلِ دُونَ الْقَوْلِ لِظُهُورِ النَّسْخِ فِيهِ.
فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْمُتَقَدِّمَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِ عَدَلَ عَنْهُمَا إِلَى عَمَلِ الصَّحَابَةِ بِأَحَدِهِمَا فَكَانَ عَمَلُهُمْ بِأَحَدِهِمَا دَلِيلًا عَلَى نَسْخِ الْآخَرِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَمَلِ بَيَانٌ وَجَبَ التَّوَقُّفُ عَنْهُمَا حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا.
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ: فِي مُقَابَلَةِ السُّنَّةِ بِالْإِجْمَاعِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ فِي الْعَمَلِ بِهَا كَمَا قَالَ: " لَا مِيرَاثَ لقاتل " و " لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ " وَنَهَى عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا وَأَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِهَذِهِ السُّنَنِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ النَّقْلِ فَيَصِيرُ هَذَا الْخَبَرُ فِي حُكْمِ الْمُتَوَاتِرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَاتِرًا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدًا عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ فَتَدُلُّ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ لِلسُّنَّةِ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ أَوْ نَقْلُهَا غَيْرُ صَحِيحٍ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُوجِبًا لِتَرْكِ السُّنَّةِ وَالْعَمَلِ عَلَى الْإِجْمَاعِ.