فَإِنْ جُهِلَ الِاتِّفَاقُ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ إِجْمَاعٌ وَلَا خِلَافٌ لترددهما بين اتفاق يكون جماعا وَافْتِرَاقٍ يَكُونُ خِلَافًا فَلِذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ إِجْمَاعٌ وَلَا خِلَافٌ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَدِيمُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَلَا يَحْدُثُ مِنْ أَحَدِهِمْ خِلَافٌ.
فَإِنْ خَالَفَهُمُ الْوَاحِدُ بَعْدَ إجماعه معهم بطل الإجماع وساع الْخِلَافُ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَحْدُثَ إِجْمَاعُهُمْ بَعْدَ الْخِلَافِ جَازَ أَنْ يَحْدُثَ خِلَافُهُمْ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ، هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ خَالَفَ فِي بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بَعْدَ إِجْمَاعِهِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى أَنَّ بَيْعَهُنَّ لَا يَجُوزُ فَبَطَلَ بِخِلَافِهِ الْإِجْمَاعُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِهِنَّ، وَقَدْ قِيلَ إِنَّ عَلِيًّا رَجَعَ بَعْدَ خِلَافِهِ حِينَ قَالَ لَهُ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ رَأْيَكَ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ ".
فَإِنْ كَانَ هَذَا الرُّجُوعُ صَحِيحًا كَانَ تَحْرِيمُ بَيْعِهِنَّ إِجْمَاعًا.
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَنْقَرِضَ عَصْرُهُمْ حَتَّى يُؤْمَنَ حُدُوثُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ بَقَاءَ الْعَصْرِ رُبَّمَا أَحْدَثَ مِنْ بَعْضِهِمْ خِلَافًا كَمَا خَالَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فِي الْعَوْلِ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا قُلْتَهُ فِي أيامه فقال هبته وكان امرءا مَهِيبًا.
وَلَيْسَ يُعْتَبَرُ فِي انْقِرَاضِ الْعَصْرِ مَوْتُ جَمِيعِ أَهْلِهِ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَضِيقُ وَلَا يَنْحَصِرُ وَقَدْ تَتَدَاخَلُ الْأَعْصَارُ وَيَتَدَرَّجُ النَّاسُ مِنْ حَالٍ بَعْدَ حَالٍ وَيَخْتَلِفُونَ فِي الْأَعْمَارِ وَالْآجَالِ.
وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِي انْقِرَاضِهِ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى الْعَصْرِ الثَّانِي غَيْرُ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَنْقَرِضَ فِيهِمْ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، قَدْ عَاشَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى إِلَى عَصْرِ التَّابِعِينَ فَطَاوَلُوهُمْ فَجَمَعُوا بَيْنَ عَصْرَيْنِ فَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى بَقَاءِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ بِهِمْ.
وَإِذَا كَانَ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ شَرْطًا فِي اسْتِقْرَارِ الْإِجْمَاعِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إِتْلَافٌ وَاسْتِهْلَاكٌ، وَلَا يَسْتَقِرُّ إِجْمَاعُهُمْ فِيهَا إِلَّا بِانْقِرَاضِهِمْ عَلَيْهَا.
فَأَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا إِتْلَافٌ وَاسْتِهْلَاكٌ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ كَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَاسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي انْقِرَاضِ الْعَصْرِ هَلْ يَكُونُ شَرْطًا فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ شَرْطًا فِيهِ كَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ.