للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مُؤَثِّرًا فِي الْحُكْمِ، فَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَعْنًى لِلْحُكْمِ وَلَا عِلَّةَ لَهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يَرْجُمْ مَاعِزًا لِاسْمِهِ وَلَا لِهَيْئَةِ جِسْمِهِ، وَلَكِنْ رَجَمَهُ لِلزِّنَا فَصَارَ الزِّنَا عِلَّةَ الرَّجْمِ، كَمَا أَثْبَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الرِّبَا فِي الْبُرِّ لَيْسَ، لِأَنَّهُ مَزْرُوعٌ وَلَكِنْ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ فَكَانَ الطَّعْمُ عِلَّةَ الرِّبَا دُونَ الزَّرْعِ.

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يُسَلِّمَ الْمَعْنَى وَالْعِلَّةَ عَلَى الْأُصُولِ وَلَا يَرُدُّهُمَا نَصٌّ وَلَا إِجْمَاعٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فَرْعٌ لَهُمَا يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ عَدَمِهِمَا فلم يجزان يَكُونَ رَافِعًا لَهُمَا، فَإِذَا رَدَّهُ أَحَدُهُمَا بَطَلَ.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يُعَارِضَهُمَا مِنَ الْمَعَانِي وَالْعِلَلِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُمَا فَإِنَّ الْأَقْوَى أَحَقُّ بِالْحُكْمِ مِنَ الْأَضْعَفِ كَمَا أَنَّ النَّصَّ أَحَقُّ بِالْحُكْمِ مِنَ الْقِيَاسِ، وَمَا أَدَّى إِلَى إِبْطَالِ الْأَقْوَى فَهُوَ الْبَاطِلُ بِالْأَقْوَى.

وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَطَّرِدَ الْمَعْنَى وَالْعِلَّةُ فَيُوجَدُ الْحُكْمُ بِوُجُودِهِمَا فَيَسْلَمَا مِنْ نَقْضٍ أَوْ كَسْرٍ.

فَإِنْ عَارَضَهُمَا نَقْضٌ أَوْ كَسْرٌ فَعُدِمَ الْحُكْمُ مَعَ وُجُودِهِمَا فَسَدَ الْمَعْنَى وَبَطَلَتِ الْعِلَّةُ، لِأَنَّ فَسَادَ الْعِلَّةِ يَرْفَعُهَا وَفَسَادَ الْمَعْنَى لَا يَرْفَعُهُ، لِأَنَّ الْمَعْنَى لَازِمٌ وَالْعِلَّةَ طَارِئَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ إِذَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةَ الرِّبَا فِي الْبُرِّ لَمْ يَبْطُلْ أَنْ يَكُونَ الْكَيْلُ بَاقِيًا فِي الْبُرِّ فَيَصِيرُ التَّعْلِيلُ بَاطِلًا وَالْمَعْنَى بَاقِيًا.

وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْمَعَانِي وَالْعِلَلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ لِيَسْلَمَ مِنَ النَّقْضِ الْمُعْتَرَضِ وَيَكُونُ دُخُولُ النَّقْضِ عَلَيْهِمَا بِارْتِفَاعِ الْحُكْمِ مَعَ وُجُودِهِمَا دَلِيلًا عَلَى فَسَادِهَا.

فَأَمَّا الْعِلَلُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِ تَخْصِيصِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا اعْتِبَارًا بِالْعِلَلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا؛ لِأَنَّهَا لَفْظٌ مَنْطُوقٌ بِهِ فَجَرَى مَجْرَى تَخْصِيصِ الْعُمُومِ، كَمَا عَلَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ إِذَا يَبِسَ، وَجَوَّزَ بَيْعَ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فِي الْعَرَايَا وَإِنْ نَقَصَ إِذَا يَبِسَ.

وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ جَوَّزَ تَخْصِيصَ الْعِلَلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ وَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَلَا يُفْسِدُهَا بِمُعَارَضَةِ النَّقْضِ، لِخُرُوجِهِ مِنْهَا بِالتَّخْصِيصِ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ كَانَ تَخْصِيصُ الْعِلَلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَنْبَطُ مِنْ عُمُومٍ مَخْصُوصٍ هِيَ لَهُ فَرْعٌ وَهُوَ لَهَا أَصْلٌ. وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَلَامَةُ الطَّرْدِ مُعْتَبَرًا فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>