فَجَعَلَهُ مَنْ أَسْقَطَ بِهِ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ كَالْأَبِ فِي إِسْقَاطِهِمُ اعْتِبَارًا بِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ كَالِابْنِ فِي إِسْقَاطِهِمْ وَجَعَلَهُ مَنْ وَرَّثَ الْإِخْوَةَ مَعَهُ كَالْأَبِ لَا يَسْقُطُ بِنِسْوَةٍ وَشَبَّهَهُ بِشَجَرَةٍ ذَاتِ أَغْصَانٍ وَبَوَادٍ سَالَ مِنْهُ شِعْبَانُ وَجَعَلَهُ قِيَاسًا مُعْتَبَرًا فِيهِ.
وَأَوْجَبُوا نَفَقَةَ الْأَبِ فِي حَالِ عجزه قياسا على نفقة الابن.
وَكَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَهْدَهُ عَلَى قَضَاءِ الْبَصْرَةِ: " الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا تَلَجْلَجَ فِي صَدْرِكَ لَيْسَ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، فَاعْرِفِ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ، وَقِسِ الْأُمُورَ بِنَظَائِرِهَا ".
وَانْتَشَرَ هَذَا الْعَهْدُ فِي الصَّحَابَةِ فَمَا أَنْكَرَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى إِثْبَاتِ الْقِيَاسِ قَوْلًا وَعَمَلًا، وَهُمُ الْقُدْوَةُ الْمُتَّبَعُونَ، وَالنَّقَلَةُ الْمُطَاعُونَ، نَأْخُذُ عَنْهُمْ مَا تَحَمَّلُوهُ، وَنَقْتَدِي بِهِمْ فِيمَا فَعَلُوهُ، وَقَدِ اجْتَهَدُوا وَقَاسَوْا.
وَلَوْ كَانَتِ الْأَحْكَامُ نُصُوصًا كُلُّهَا لَنَقَلُوهَا وَعَدَلُوا عَنْ الِاجْتِهَادِ فِيهَا، كَمَا عَدَلُوا عَنِ اجْتِهَادِهِمْ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ، حِينَ رَوَى حَمَلُ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ وَأَمَةٍ " وَعَدَلُوا عَنِ الْمُخَابَرَةِ حِينَ رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ النَّهْيَ عَنْهَا، لَيْسَ يَدْفَعُ مِثْلَ هَذَا الْحِجَاجِ إِلَّا ببهت أو عناد.
( [أدلة القائلين بحجية القياس] )
:
فَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِالْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ فَمِنْهَا:
أَنَّ النَّصَّ لَمْ يُحِطْ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَلَا يَخْلُو مَا عَدَا أَحْكَامَ النُّصُوصِ مِنَ الْفُرُوعِ وَالْحَوَادِثِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهَا حُكْمٌ أَوْ لَا يَكُونَ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا حكم له فيها وقد قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٤] .
وَإِذَا كَانَ لَهُ فِيهَا حُكْمٌ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا.
فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمَجْهُولِ مُمْتَنِعٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ ضِدَّيْنِ.
وَإِذَا كَانَ مَعْلُومًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ جَمِيعُهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ، لِأَنَّ فِيهَا مَحْظُورًا، وَلَا عَلَى الْحَظْرِ، لِأَنَّ فِيهَا مُبَاحًا.
وَلَا يَتَمَيَّزُ الْمُبَاحُ وَالْمَحْظُورُ إِلَّا بِدَلِيلٍ.
وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ النَّصِّ دَلِيلٌ.
وَلَيْسَ بَعْدَ النَّصِّ إِلَّا الْقِيَاسُ عَلَى النَّصِّ.
فَإِنْ مَنَعُوا أَنْ تَخْتَلِفَ أَحْكَامُ مَا عَدَا النَّصَّ، وَحَمَلُوا جَمِيعَهَا عَلَى الْحَظْرِ عِنْدَ عَدَمِ