للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ وَيَجْرِي مَجْرَى فَتَرَاتِ النَّوْمِ وَأَوْقَاتِ الِاسْتِرَاحَةِ.

فَإِنْ قُلِّدَ وَهُوَ سَلِيمُ الْعَقْلِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنُونُ بَطَلَتْ وِلَايَتُهُ، وَلَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا بِالْإِفَاقَةِ.

وَلَكِنْ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي وِلَايَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ مَرَضٌ لَا يَمْنَعُ مِنَ النُّبُوَّةِ.

وَأَمَّا كَمَالُ الْخِلْقَةِ فَتُعْتَبَرُ سَلَامَتُهُ فِيهَا فِي ثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ:

أَحَدُهَا: صِحَّةُ بَصَرِهِ، فَلَا يَكُونُ أَعْمَى.

وَالثَّانِي: صِحَّةُ سَمْعِهِ، فَلَا يَكُونُ أَصَمَّ.

وَالثَّالِثُ: سَلَامَةُ لِسَانِهِ، فَلَا يَكُونُ أَخْرَسَ.

فَأَمَّا الْأَعْمَى: فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ، وَلَوْ عَمِيَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ بَطَلَتْ وِلَايَتُهُ، لِأَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ.

وَجَوَّزَ مَالِكٌ تَقْلِيدَ الْأَعْمَى، كَمَا جَوَّزَ شَهَادَتَهُ.

فَإِنْ كَانَ فِي عَيْنِهِ عَشًا يُبْصِرُ نَهَارًا وَلَا يُبْصِرُ لَيْلًا جَازَ تَقْلِيدُهُ.

وَإِنْ كَانَ فِي بَصَرِهِ ضَعْفٌ فَإِنْ كَانَ يَرَى الْأَشْبَاحَ وَلَا يَعْرِفُ الصُّوَرَ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ.

وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ الصُّوَرَ إِذَا قَرُبَتْ وَلَا يَعْرِفُهَا إِذَا بَعُدَتْ جَازَ تَقْلِيدُهُ.

وَأَمَّا الْأَصَمُّ: فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ، وَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ صَمَمٌ بَطَلَتْ وِلَايَتُهُ، لِأَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بِالصَّمَمِ بَيْنَ إِقْرَارٍ وَإِنْكَارٍ.

وَالصَّمَمُ الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ أَنْ لَا يَفْهَمَ الْأَصْوَاتَ وَإِنْ عَلَتْ.

فَأَمَّا ثِقَلُ السَّمْعِ الَّذِي يَفْهَمُ عَالِيَ الْأَصْوَاتِ وَلَا يَفْهَمُ خَافِتَهَا فَتَقْلِيدُهُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ تَقْلِيدُ السَّمِيعِ أَوْلَى مِنْهُ.

وَأَمَّا الْأَخْرَسُ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ، وَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْخَرَسُ بَطَلَتْ وِلَايَتُهُ، لِأَنَّهُ يَعْجِزُ بِخَرَسِهِ عَنْ إِنْفَاذِ الْأَحْكَامِ وَإِلْزَامِ الْحُقُوقِ.

وَجَوَّزَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وِلَايَتَهُ إِذَا كَانَ مَفْهُومَ الْإِشَارَةِ، كَمَا جَوَّزَ شَهَادَتَهُ.

وَهُوَ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا مَمْنُوعٌ مِنَ الْأَمْرَيْنِ.

فَأَمَّا إِنْ كَانَ بِلِسَانِهِ تَمْتَمَةٌ أَوْ فَأْفَأَةٌ أَوْ عَقْلَةٌ أَوْ رَدَّةٌ أَوْ عُقْدَةٌ لَا تَمْنَعُ مَنْ فَهْمِ الْكَلَامِ صَحَّ تَقْلِيدُهُ لِأَنَّهُ نَقْصٌ لَا يَمْنَعُ مَنْ فَهْمِ الْكَلَامِ وَإِنْ غَمُضَ فَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى لَمْ تَمْنَعْ عُقْدَةُ لِسَانِهِ مِنْ صِحَّةِ رِسَالَتِهِ.

فَأَمَّا صِحَّةُ أَعْضَائِهِ فَغَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي وِلَايَتِهِ، فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَإِنْ كَانَ مُقْعَدًا أَوْ ذَا زَمَانَةٍ، وَإِنْ كَانَتِ السَّلَامَةُ مِنَ الْآفَاتِ أَهْيَبَ لِذَوِي الْوِلَايَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>