أَحَدُهُمَا: يَكُونُ دَلَالَةً فِيهِمْ
وَالثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ لَا يَكُونُ دَلَالَةً وَلَا يَحْكُمُ فِي بُلُوغِهِمْ
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ التُّهْمَةَ تَلْحَقُ الْمُسْلِمَ فِي الْإِنْبَاتِ إِذَا جُعِلَ بُلُوغًا، لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ فِيهِ تَخْفِيفَ أَحْكَامِهِ فَلَهُ حَجْرُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ، وَقَبُولُ شَهَادَتِهِ وَكَوْنُهُ مِنْ أهل الولايات، والكافر غير منهم لِأَنَّ أَحْكَامَهُ تُغَلَّظُ فَيُقْتَلُ إِنْ كَانَ حَرْبِيًّا، وَلَا يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ إِنْ كَانَ وَثَنِيًّا، وَتُؤْخَذُ جِزْيَتُهُ إِنْ كَانَ كِتَابِيًّا
وَالثَّانِي: أَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى جَعْلِ الْإِنْبَاتِ بُلُوغًا فِي الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى أَنْسَابِهِمُ الَّتِي لَا تُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ إِلَى جَعْلِ الْإِنْبَاتِ بُلُوغًا فِيهِمْ، فَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَتَبْلُغُ بِجَمِيعِ مَا يَبْلُغُ بِهِ الْغُلَامُ وَتَبْلُغُ أَيْضًا بِشَيْئَيْنِ آخَرَيْنِ: وَهُمَا الْحَيْضُ وَالْحَمْلُ
فَأَمَّا الْحَيْضُ فَبُلُوغٌ، لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُنظر إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا "
وَأَمَّا الْحَمْلُ فَيُعْلَمُ بِهِ سِنُّ الْبُلُوغِ إِلَّا أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ بُلُوغٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلق من ماءٍ دافق يخرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلب وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: ٤٥، ٤٦] فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْحَمْلَ يُخْلَقُ مِنْ مَاءٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَتَرَائِبِ النِّسَاءِ، فَعُلِمَ بِالْحَمْلِ وُجُودُ الْإِنْزَالِ مِنْهَا
فَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَيَكُونُ بَالِغًا بِالسِّنِّ، فَأَمَّا الْحَيْضُ وَالْإِنْزَالُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحِيضَ
وَالثَّانِي: أَنْ يُنْزِلَ
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَجْمَعَ الْأَمْرَيْنِ الْحَيْضَ وَالْإِنْزَالَ. فَأَمَّا الْحَيْضُ وَحْدَهُ فَلَا يَكُونُ بُلُوغًا فِيهِ بِحَالٍ، سَوَاءٌ خَرَجَ دَمُ الْحَيْضِ مِنْ فَرْجِهِ أَوْ ذَكَرِهِ أَوْ مِنْهُمَا، وَأَمَّا الْإِنْزَالُ وَحْدَهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَكَرِهِ لَمْ يَكُنْ بُلُوغًا لِجَوَازِ كَوْنِهِ امْرَأَةً، وَإِنْ كَانَ مِنْ فَرْجِهِ لَمْ يَكُنْ بُلُوغًا لِجَوَازِ كَوْنِهِ رَجُلًا؛ وَإِنْ كَانَ مِنْ فَرْجِهِ وَذَكَرِهِ مَعًا كَانَ بُلُوغًا يَقِينًا؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ بَلَغَ بِالْإِنْزَالِ مِنْ ذَكَرِهِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ بَلَغَتْ بِالْإِنْزَالِ مِنْ فَرْجِهَا، وَأَمَّا الْإِنْزَالُ وَالْحَيْضُ إِذَا اجْتَمَعَا فَإِنْ كَانَا مَعًا مِنْ فَرْجِهِ لَمْ يَكُنْ بُلُوغًا وَإِنْ كَانَا مَعًا مِنْ ذَكَرِهِ لَمْ يَكُنْ بُلُوغًا، وَإِنْ كَانَ الْإِنْزَالُ مِنْ ذَكَرِهِ وَدَمُ الْحَيْضِ مِنْ فَرْجِهِ فمذهب الشافعي أنه بلوغ لجمع بَيْنَ بُلُوغِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " " إِنْ أَنْزَلَ وَحَاضَ لَمْ يَكُنْ بُلُوغًا " وَلَيْسَ هَذَا قَوْلًا ثَانِيًا، وَإِنَّمَا لَهُ أَحَدُ تَأْوِيلَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ أَنْزَلَ أَوْ حَاضَ، فَأَسْقَطَ الْكَاتِبُ أَلِفًا وَإِنْ كَانَا مَعًا مِنْ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute