وَلِأَنَّ تَشَاغُلَ الْوُلَاةِ بِالْكِتَابَةِ يَقْطَعُهُمْ عَنِ النَّظَرِ الْمُخْتَصِّ بِهِمْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْقُضَاةُ وُلَاةٌ لا يستغنون عن كتاب.
(صفات كاتب القاضي) .
وَصِفَةُ كَاتِبِ الْقَاضِي مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَوْصَافِهِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُهَا: الْعَدَالَةُ: لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى إِثْبَاتِ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَاتِ وَتَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ فَافْتَقَرَ إِلَى صِفَةِ مَنْ تَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ كَالشُّهُودِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا، وَلَيْسَ يُرِيدُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ جَزْلَ الرَّأْيِ، سَدِيدَ التَّحْصِيلِ، حَسَنَ الْفَطِنَةِ حَتَّى لَا يُخْدَعَ. أَوْ يُدَلَّسَ عَلَيْهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا، لِيَعْلَمَ صِحَّةَ مَا يَكْتُبُ مِنْ فَسَادِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا بِأَحْكَامِ كِتَابَتِهِ، وَمَا يَخْتَصُّ بِالشُّرُوطِ، مِنَ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ، وَاسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لَهَا، وَالتَّحَرُّزِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُحْتَمَلَةِ، وَيَخْتَارُ أَنْ يَكُونَ وَاضِحَ الْخَطِّ، فَصِيحَ اللِّسَانِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ نَزِيهًا بَعِيدًا مِنَ الطَّمَعِ لِيُؤْمَنَ أَنْ يَرْتَشِيَ فَيُحَابِيَ.
فَإِذَا ظَفِرَ الْقَاضِي بِمَنْ تَكَامَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَوْصَافُ الْأَرْبَعَةُ وَأَرْجُو أَنْ يَظْفَرَ بِهِ جَازَ أَنْ يَسْتَكْتِبَهُ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَكْتِبَ عَبْدًا، وَإِنْ أَكْمَلَهَا؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ شَرْطٌ فِي كَمَالِ الْعَدَالَةِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَكْتِبَ ذِمِّيًا وَإِنْ كَانَ كَافِيًا؛ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا بِفِسْقِهِمْ فِي الدِّينِ عَنْ قَبُولِ قَوْلِهِمْ فِيهِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: ١] .
وَقَالَ: {لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: ٥١] .
وَرَوَى الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ، وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَدْعُوهُ إِلَى الْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَدْعُوهُ إِلَى الشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ ".