للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُمْكِنُ ثُبُوتُهُ بِغَيْرِهَا، وَثُبُوتُ هَذَا بِالشَّهَادَةِ مُمْكِنٌ، فَلَمْ يَحْكُمْ فِيهِ بِالْمُكَاتَبَةِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، لَا يَحْكُمُ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى شُهُودِ الْأَصْلِ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمِلْكُ، وَلَا يُرِيدُونَ الْعَوْدَ إِلَيْهِ، وَالْبَيِّنَةُ بِتَعْدِيلِهِمْ فِيهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ عِنْدَهُ إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمِلْكُ بِمَا شَهِدُوا بِهِ، لِيَكْشِفَ عَنْ عَدَالَتِهِمْ، فَإِذَا صَحَّتْ عِنْدَهُ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ، فَيَصِيرُ التَّعْدِيلُ وَالْحُكْمُ مُخْتَصًّا بِالْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ، وَيَكُونُ كِتَابُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ مَقْصُورًا عَلَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ، وَلَا وَجْهَ لِمُكَاتَبَةِ الثَّانِي الْأَوَّلَ بِالتَّعْدِيلِ لِيَتَوَلَّى الْأَوَّلُ الْحُكْمَ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَادِرٌ عَلَى تَنْفِيذِ الْحُكْمِ فَلَمْ يَحْتَجْ فِيهِ إِلَى الْأَوَّلِ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ مِنْ غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمِلْكُ، فَيَجُوزُ لِلْقَاضِي بَعْدَ سَمَاعِ شَهَادَتِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى قَاضِي بَلَدِهِمْ، وَيَسْأَلَهُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ، فَإِنْ عَرَفَهَا كَتَبَ بِهَا إِلَى الْقَاضِي الْأَوَّلِ، لِيَتَوَلَّى الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِمْ، وَيَكُونُ الثَّانِي حَاكِمًا بِعَدَالَتِهِمْ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَ كِتَابَ الثَّانِي إِلَّا بِشَهَادَةٍ، لِأَنَّ كِتَابَ الْأَوَّلِ اسْتِخْبَارٌ، وَكِتَابُ الثَّانِي حُكْمٌ.

وَأَمَّا الضَّرْبُ الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا مَنْقُولَةً فِي يَدِ الْمَطْلُوبِ، كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ.

فَإِذَا أَحْضَرَ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ادِّعَائِهِ فِي يَدِ الْمَطْلُوبِ بِغَصْبٍ أَوْ عَارِيَةٍ وَحَلَّاهُ الشُّهُودُ بِحِلْيَتِهِ وَنَعَتُوهُ بِاسْمِهِ وَجِنْسِهِ وَصِفَتِهِ فَفِي الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ عَلَى مَا يَنْقُلُ مِنَ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ وَحَكَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا فِيمَا يُنْقَلُ مِنَ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ حَتَّى يُشِيرَ الشُّهُودُ إِلَيْهَا بِالتَّعْيِينِ.

وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصِّفَاتِ تَتَشَابَهُ، وَالْحِلَى تَتَمَاثَلُ، فَلَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ بِهَا مَعَ الِاحْتِمَالِ حَتَّى يَزُولَ بِالتَّعْيِينِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ مَقْصُورًا عَلَى مَا لَا يُنْقَلُ لِتَعْيِينِهِ بِحُدُودِهِ وَمَوْضِعِهِ دُونَ مَا يُنْقَلُ لِلْإِشْكَالِ فِيهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَحَكَاهُ الشَّافِعِيُّ، عَنْ غَيْرِهِ، وَأَضَافَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَيْهِ، أَنَّهُ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مَنْقُولَةً كمل يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا فِي غَيْرِ الْمَنْقُولَةِ، لِمَا يَجِبُ مِنْ حِفْظِ الْحُقُوقِ عَلَى أَهْلِهَا.

وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَجْهًا ثَالِثًا، فَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا الْعَبْدُ الْمُدَّعِي فِي عَيْنِهِ يَخْتَصُّ بِوَصْفٍ يَنْدُرُ وَجُودُهُ فِي غَيْرِهِ كَشَامَةٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ جَسَدِهِ أَوْ إِصْبَعٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>