وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِهِ لِلْمَطْلُوبِ بِعَيْنِهِ أَلْزَمَهُ رَدَّهُ عَلَى مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ، وَأَخَذَهُ بِنَفَقَةِ عَوْدِهِ وَضَمَانِ نَفْسِهِ إِنْ تَلِفَ.
وَلَوْ كَانَ بَدَلَ هَذَا الْعَبْدِ أَمَةٌ فَقَدِ اخْتَلَفَ مَنْ قَالَ بِهَذَا، فِي إِجْرَائِهَا مَجْرَى الْعَبْدِ:
فَمَنَعَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ تَسْلِيمِهَا؛ لِأَنَّهَا ذَات فَرْجٍ، وَرُبَّمَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَجَعَلَ هَذَا الْحُكْمَ مَقْصُورًا عَلَى الْعَبْدِ.
وَسَوَّى ابْنُ أَبِي لَيْلَى بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ أَنْ تُضَمَّ إِلَى أَمِينٍ ثِقَةٍ يُحْتَاطُ بِهِ حَذَرًا مِنَ التَّعَرُّضِ لِإِصَابَتِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ عِنْدَ حِكَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ.
وَأَخَذَ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ مَذْهَبًا لِنَفْسِهِ.
وَلَا يَصِحُّ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَتْرُكُ الِاسْتِحْسَانَ بِالْقِيَاسِ وَقَدْ جَعَلَهُ اسْتِحْسَانًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: مِنْ مَذَاهِبِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ الْحُكْمِ بِهِ، حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْحُكَّامِ: أَنْ يُنَادِيَ الْقَاضِي عَلَى الْعَبْدِ فِيمَنْ يَزِيدُ، فَإِذَا انْتَهَى ثَمَنُهُ، قَالَ لِمُدَّعِيهِ: ادْفَعْ ثَمَنَهُ يَكُونُ مَوْضُوعًا عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَخُذِ الْعَبْدَ مَعَكَ، فَإِنْ عَيَّنَهُ شُهُودُكَ حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي لَكَ، وَكَتَبَ بِرَدِّ الثَّمَنِ عَلَيْكَ، وَإِنْ لَمْ يُعِينُوهُ لَكَ، لَزِمَكَ رَدُّهُ، وَاسْتِرْجَاعُ ثَمَنِهِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ إِنْ أَجَابَ إِلَيْهِ الطَّالِبُ جَازَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْ إِلَيْهِ لَمْ يُجْبِرْ عَلَيْهِ.
وَالْأَصَحُّ عِنْدِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنْ يَقْبَلَ الْقَاضِي الثَّانِي الكتاب، ويحكم بِوُجُوبِ مَا تَضَمَّنَهُ، مِنَ الْعَبْدِ الْمَوْصُوفِ فِيهِ، ويخير صاحب اليد في العبد بين ثلاثة أَحْوَالٍ: بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهُ بِالصِّفَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا إِلَى طَالِبِهِ فَيَنْبَرِمُ الْحُكْمُ بِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَمْضِيَ بِالْعَبْدِ مَعَ طَالِبِهِ، عَلَى احْتِيَاطٍ مِنْ هَرَبِهِ إِلَى الْقَاضِي الْأَوَّلِ، فَإِنْ عَيَّنَهُ الشُّهُودُ، سَلَّمَهُ إِلَى الطَّالِبِ بِحُكْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ الشُّهُودُ، خَلَّى سَبِيلَ الْعَبْدِ مَعَ صَاحِبِ الْيَدِ، وَبَيْنَ أَنْ يَعْدِلَ بِالطَّالِبِ إِلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ لِلْعَبْدِ الْمَوْصُوفِ دُونَ الْعَبْدِ الَّذِي فِي يَدِهِ. فَأَيُّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَعَلَ صَاحِبُ الْيَدِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ حَقِّ الطَّالِبِ وَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ جَمِيعِهَا، وَقَدْ ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُ الْعَبْدِ الْمَوْصُوفِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْقِطَ شَهَادَةَ عُدُولٍ ثَبَتَتْ بِمِثْلِهِمُ الْحُقُوقُ، وَأَخَذَهُ الْقَاضِي الثَّانِي جَبْرًا بِدَفْعِ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَوْصُوفِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالِاشْتِبَاهِ غَيْرَ مقدور عليه؛ فجرى مَجْرَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ أَوِ الْآبِقِ لَزِمَ دَفْعُ قِيمَتِهِ كَذَلِكَ، هَذَا وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَى تَسْلِيمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute