للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى غَيْرِ إِقْرَارٍ كَالثَّمَنِ فِي بَيْعٍ حَضَرَهُ أَوْ صَدَاقٍ فِي نِكَاحٍ شَهِدَهُ أَوْ قَرْضٍ شَاهَدَهُ، فَفِي لُزُومِ ذِكْرِهِ لِلسَّبَبِ فِي أَدَائِهِ وَجْهَانِ، كَقَوْلِهِ فِي أَدَاءِ الْإِقْرَارِ وَأَشْهَدَنِي بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الِاسْتِرْعَاءِ فِي التَّحَمُّلِ.

فَأَمَّا إِنْ شَهِدَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا، أَوْ أَعْلَمُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا، أَوْ أَقَرَّ عِنْدِي أَنَّ عَلَيْهِ كَذَا لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الشَّهَادَةُ، وَلَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ بِهَا لِأَنَّ الْخَبَرَ حِكَايَةُ حَالٍ مُضَافَةٍ إِلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا الْإِلْزَامُ إِلَّا بِالشَّهَادَةِ الْمُضَافَةِ إِلَى الشَّاهِدِ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ اعْتِبَارُ هَذِهِ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ فِي صِحَّةِ الشَّهَادَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَهَا إِلَّا بِمَسْأَلَةِ الْمُدَّعِي لِأَنَّ سَمَاعَهَا حَقٌّ لَهُ.

وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْمَعَهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي عَيْنِهِ وَبِمَشْهَدِهِ.

فَإِذَا سَمِعَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا، إِلَّا أَنْ يَسْأَلَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِبَيِّنَتِهِ.

فَإِذَا سَأَلَهُ الْحُكْمَ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَحْكُمَ إِلَّا بَعْدَ إِعْلَامِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، لِيَذْكُرَ مَا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ، أَوْ يُقِرُّ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ أَقْوَى مِنَ الشَّهَادَةِ.

فَإِنْ حَكَمَ بِهَا قَبْلَ إِعْلَامِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ جَازَ.

وَإِنْ حَكَمَ بِهَا قَبْلَ مَسْأَلَةِ الْمَشْهُودِ لَهُ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ سُؤَالِ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُطَالِبَهُ الْمُدَّعِي بِسُؤَالِهِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ لِغَيْرِ طَالِبٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ حُكْمُهُ لِأَنَّ شَوَاهِدَ الْحَالِ تَدُلُّ عَلَى الطَّلَبِ.

فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ: مَا يَشْهَدُ بِهِ هَذَانِ الشَّاهِدَانِ عَلَيَّ فَهُوَ حَقٌّ لَمْ يَكُنْ إِقْرَارًا مِنْهُ بِمَا يَشْهَدَانِ بِهِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الشَّهَادَةِ.

وَلَوْ قَالَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ: مَا شَهِدَا بِهِ عَلَيَّ حَقٌّ كَانَ إِقْرَارًا.

وَلَوْ قَالَ مَا شَهِدَا بِهِ عَلَيَّ صِدْقٌ لَمْ يَكُنْ إِقْرَارًا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَقَّ مَا لَزِمَ فَلَمْ يَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ احْتِمَالٌ، وَالصِّدْقَ قَدْ يَكُونُ فِيمَا قَضَاهُ، فَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ الِاحْتِمَالُ.

وَإِذَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يَلْزَمْ إِحْلَافُ الْمُدَّعِي مَعَ بَيِّنَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>