وفي قوله: {لا نشتري به ثمنا} فيهما تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا نَأْخُذُ عَلَيْهِ رِشْوَةً، وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ.
وَالثَّانِي: لَا يعتاض عليه بحق، {ولو كان ذا قربى} أَيْ لَا يَمِيلُ مَعَ ذِي الْقُرْبَى فِي قول الزور والشهادة بغير حق، ولا يكتم شهادة الله، عِنْدَنَا فِيمَا أَوْجَبَهُ مِنْ أَدَائِهَا عَلَيْنَا.
وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فآخران يقومان مقامهما} [المائدة: ١٠٧] وفي {عثر} تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: ظَهَرَ، حَكَاهُ ابْنُ عِيسَى.
وَالثَّانِي: اطَّلَعَ، قَالَهُ النَّخَعِيُّ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ تَقَارَبَ مَعْنَاهُمَا: أَنَّ الظُّهُورَ مَا بَانَ بِنَفْسِهِ وَالِاطِّلَاعَ ما بان بالكشف عنه.
وقوله: {استحقا إثما إن كذبا وخانا} [المائدة: ١٠٧] فعبر عن الكذب والخيانة بالإثم، لحدوثه عنهما، وَفِي الَّذِي {عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمَا الشَّاهِدَانِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُمَا الْوَصِيَّانِ، وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بن جبير. {فآخران} يعني من الورثة.
{يقومان مقامهما} يَعْنِي فِي اليمين حِينِ ظَهَرَ لَهُمَا الْخِيَانَةُ من الذين استحق عليهما الأوليان. فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْأَوْلَيَانِ بِالْمَيِّتِ مِنَ الْوَرَثَةِ، وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
وَالثَّانِي: الْأَوْلَيَانِ بِالشَّهَادَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، مَا رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، قِيلَ: إِنَّهُ ابْنُ أَبِي مارية، مولى العاصي بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَعُدَيِّ بْنِ بَدَّاءٍ فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثُمَّ وَجَدَ الْجَامَ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تميم الداري، وعدي بن براء، فقام رجلان من أولياء السهمي، قيل: إنه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ فَحَلَفَا لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ