الْمُفْضِي إِلَى النَّسْخِ، فَأَوْرَدَ عَلَيْهِمْ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الِاسْتِهْلَالِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِيهِ وَلَيْسَتِ الْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ بِبَيِّنَةٍ، وَلَا لَهَا فِي النَّصِّ ذِكْرٌ، وَالشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ أَقْوَى مِنْهَا، فَكَيْفَ رَدَدْتُمُ الْأَقْوَى، وَأَجَزْتُمُ الْأَضْعَفَ؟ ، وَجَعَلْتُمُ الْأَقْوَى زَائِدًا عَلَى النَّصِّ الْمُفْضِي إِلَى النَّسْخِ، وَلَمْ تَجْعَلُوا ذَلِكَ فِي الْأَضْعَفِ؟ هَلْ هُوَ إِلَّا تَنَاقُضٌ فِي الْقَوْلِ وَإِبْطَالٌ لِمَعْنَى النَّصِّ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: ٢٨٢] ، فَاقْتَصَرُوا عَلَى الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنْ لَمْ تُذَكِّرْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى.
وَالثَّانِي: إِنْ قَالَ لِمُعْتَقِدِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ: كَيْفَ حَكَمْتَ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّةٍ، وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ بِدِيَةِ الْمَوْجُودِ قَتِيلًا فِي مَحَلَّتِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؟ وَزَعَمْتَ أَنَّ الْقُرْآنَ يُحَرِّمُ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَزَعَمْتَ أَنَّ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ بَرَاءَةٌ لِمَنْ حَلَفَ، فَخَالَفْتَ فِي جُمْلَةِ قَوْلِكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ؟ وَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الرَّدَّ عَلَيْهِمْ فِي أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمْ أَجَازُوا فِي الْقَسَامَةِ مَا تُمْنَعُ مِنْهُ الأصول بغير أصل، وردوا اليمين مَعَ الشَّاهِدِ، وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلْأُصُولِ، وَلَهُ فِيهِ أَصْلٌ.
وَالثَّانِي: إِنَّ السُّنَّةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ مُبَرِّئَةٌ، وَهُمْ جَعَلُوهَا، مُلْزِمَةً، فَعَلَّقُوا عَلَيْهَا ضِدَّ مُوجِبِهَا، وَلَيْسَ يَتَعَلَّقُ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ضِدُّ مُوجِبِهِ، فَأَجَابُوهُ عَنِ اعْتِرَاضِهِ عَلَيْهِمْ بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ بِأَنْ قَالُوا: رَوَيْنَا هَذَا عَنْ عُمَرَ، فَاتَّبَعْنَاهُ، وَكَانَ أَصْلًا فِيهِ، فَرَدَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمْ هَذَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: قَالَ: إِنَّ عُمَرَ لَا يَسْتَجِيزُ أَنْ يُخَالَفَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَقَوْلُهُ فِي نَفْسِهِ: " الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ "، وَقَدْ جَعَلُوهُ بِهَذَا مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَوْلِ نَفْسِهِ. وَرَدَدْتُمُ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ، وَفِيهِ سُنَّةٌ لَا تُخَالِفُ الْكِتَابَ، وَلَا السُّنَّةَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ قَالَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مَا لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ، وَخَالَفْتُمُوهُ فِي أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ:
أَحَدُهَا: إِنَّهُ جَلَبَهُمْ إِلَى مَكَّةَ مِنْ مَسِيرَةِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَهُمْ لَا يَرَوْنَ نَقْلَ الْخَصْمِ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى غَيْرِ بَلَدِهِ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ أَحْلَفَهُمْ فِي الْحِجْرِ، تَغْلِيظًا بِالْمَكَانِ، وَهُمْ لَا يَرَوْنَ تَغْلِيظَ الْأَيْمَانِ بِالْمَكَانِ.
وَالثَّالِثُ: إِنَّهُ اخْتَارَ مِنْ أَهْلِ الْحِجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا أَحْلَفَهُمْ، وَهُمْ يَجْعَلُونَ الْخِيَارَ لِوَلِيِّ الدَّمِ دُونَ الْوَالِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute