للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُطَالَبَةِ، وَإِنْ طَالَبَ بِهَا قِيلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَتَحْلِفُ؟ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتِ الدَّعْوَى وَإِنْ نَكَلَ لَمْ يُسْأَلْ عَنْ سَبَبِ النُّكُولِ إِلَّا أَنْ يبتدىء، فَيَقُولَ: أَنَا مُتَوَقِّفٌ عَنِ الْيَمِينِ، لِأَنْظُرَ فِي حِسَابِي، وَأَسْتَثْبِتَ حَقِيقَةَ أَمْرِي، فَيُنْظَرَ مَا قَلَّ مِنَ الزَّمَانِ، وَلَا يَبْلُغُ إِنْظَارُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

وإن لم يبتدىء بِذِكْرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِتَوَقُّفِهِ حُكِمَ بِنُكُولِهِ، وَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِالدَّعْوَى حَتَّى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا.

وَحَكَمَ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْحَقِّ إِذَا نَكَلَ. وَالْكَلَامُ مَعَهُ يَأْتِي.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِأَنَّ نُكُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنِ الْيَمِينِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ بِالْحَقِّ، وَلَا بِحُجَّةٍ لِلْمُدَّعِي، فَلَا أَقْضِي عَلَيْهِ، فَإِنْ بَذَلَ الْيَمِينَ، بَعْدَ نُكُولِهِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ، لِسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْهَا بِالنُّكُولِ. وَسَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي أَوْ قَبْلَهُ.

فَإِذَا حَلَفَ الْمُدَّعِي صَارَ بِيَمِينِهِ مَعَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقْوَى مِنْهُ، فَقَضَى بِحَقِّهِ عَلَيْهِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ تَكُونُ يَمِينُهُ مَعَ النُّكُولِ قَائِمَةً مَقَامَ الْإِقْرَارِ أَوْ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ عَلَى قولين فذكرهما مِنْ بَعْدُ. وَإِنْ تَوَقَّفَ الْمُدَّعِي عَنِ الْيَمِينِ لَمْ يُحْكَمْ بِنُكُولِهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ سَبَبِ تَوَقُّفِهِ، فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَنِ الْيَمِينِ، لِيَرْجِعَ إِلَى حِسَابِهِ، وَيَسْتَظْهِرَ لِنَفْسِهِ أُنْظِرَ بِهَا، وَكَانَ عَلَى حَقِّهِ مِنَ الْيَمِينِ، وَلَمْ تُضَيَّقْ عَلَيْهِ الْمُدَّةُ.

وَلَوْ تَرَكَهَا تَارِكٌ بِخِلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا اسْتُنْظِرَ، لِأَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعِي حَقٌّ لَهُ، وَيَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقٌّ عَلَيْهِ.

فَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْمُدَّعِي فِي تَوَقُّفِهِ عَنِ الْيَمِينِ عُذْرًا إِلَّا أَنَّهُ لَا يَخْتَارُ أَنْ يَحْلِفَ، حُكِمَ بِنُكُولِهِ، وَسُقُوطِ دَعْوَاهُ.

فَإِنْ دَعَا إِلَى الْيَمِينِ بَعْدَ نُكُولِهِ عَنْهَا لَمْ يُسْتَحْلَفْ بَعْدَ الْحُكْمِ بِنُكُولِهِ، وَقِيلَ: لَكَ أَنْ تَسْتَأْنِفَ الدَّعْوَى، فتصير كالمبتدىء بِهَا، وَيَكُونُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ إِذَا أَنْكَرَهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ الدَّعْوَى الَّتِي حُكِمَ بِنُكُولِهِ فيها، فإن حلف برىء وَسَقَطَتِ الدَّعْوَى، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِذَا حَلَفَ حُكِمَ لَهُ بِالدَّعْوَى.

فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ سَأَلْتُمُ الْمُدَّعِيَ عَنْ سَبَبِ نُكُولِهِ، وَلَمْ تَسْأَلُوا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ سَبَبِ نُكُولِهِ؟ قِيلَ: لِأَنَّ نُكُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ أَوْجَبَ حَقًّا لِلْمُدَّعِي فِي رَدِّ الْيَمِينِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَعَرَّضَ الْحَاكِمُ لِإِسْقَاطِهِ بِسُؤَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَمِينُ الْمُدَّعِي مَقْصُورَةٌ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ، لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ، فَجَازَ أَنْ يُسْأَلَ عن سبب امتناعه منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>