وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: ٢٨٢] وَالرِّيبَةُ مُتَوَجِّهَةٌ إِلَى شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لِمَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنَ الْمَيْلِ وَالْمَحَبَّةِ. وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْوَلَدُ مَحْزَنَةٌ مَجْبَنَةٌ مَبْخَلَةٌ مَجْهَلَةٌ ".
وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " يَا عَائِشَةُ فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يَرِيبُنِي مَا يَرِيبُهَا " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ بَعْضُ أَبِيهِ.
وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} [الزخرف: ١٥] أَيْ وَلَدًا فَصَارَتِ الشَّهَادَةُ لَهُ كَالشَّهَادَةِ لِنَفْسِهِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي مَعْشَرٍ الدَّارِمِيِّ: " أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ " فَصَارَتِ الشَّهَادَةُ بِمَالِ أَبِيهِ كَالشَّهَادَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ.
وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثًا رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا مَحْدُودٍ حَدًّا وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ وَلَا مُجَرَّبٍ فِي شَهَادَةِ زُورٍ وَلَا ظَنِينٍ فِي قَرَابَةٍ وَلَا وَلَاءٍ وَلَا شَهَادَةُ الْقَانِعِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ " وَوَصَلَ بِذَلِكَ " وَلَا شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ " ثُمَّ قَالَ وَهَذَا لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ النَّقْلِ، فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَهُوَ نَصٌّ. وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَفِي قَوْلِهِ: " وَلَا ظَنِينٍ فِي قَرَابَةٍ " دَلِيلٌ عَلَى الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ " وَهُوَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لِكَسْبِهِ.
وَلِأَنَّ وُرُودَ النَّصِّ بِالْمَنْعِ مِنْ شَهَادَةِ الظَّنِينِ وَهُوَ الْمُتَّهَمُ يُوجِبُ الْمَنْعَ مِنْ شَهَادَةِ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا قَرَنَهَا لِنَفْسِهِ فِي قَوْلِهِ {شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ} دَلَّ عَلَى خُرُوجِهَا مَخْرَجَ الزَّجْرِ، أَنْ يُخْبِرَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ وَلَدِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ.
وَلَا يَمْنَعُ الدِّينُ وَالْعَدَالَةُ مِنْ رَدِّ الشَّهَادَةِ، كَشَهَادَةِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ. وَأَمَّا إِنْكَارُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى شُرَيْحٍ، فَلِأَنَّ شُرَيْحًا وَهِمَ فِي الدعوى؛ لأن عليا عليه السلام ادَّعَى الدِّرْعَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلِذَلِكَ اسْتَشْهَدَ بِابْنِهِ الْحَسَنِ، وَلَمْ يَدَّعِهَا