فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: ٢٢٤] فَقَدْ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: يُرِيدُ بِالشُّعَرَاءِ الَّذِينَ إِذَا قَالُوا كَذَبُوا وَإِذَا غَضِبُوا سَبُّوا.
وَفِي قوله تعالى: {يتبعهم الغاوون} أَرْبَعَةُ تَأْوِيلَاتٍ:
أَحَدُهَا: الشَّيَاطِينُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
وَالثَّانِي: الْمُشْرِكُونَ، قَالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ.
وَالثَّالِثُ: السُّفَهَاءُ قَالَهُ الضَّحَّاكُ.
وَالرَّابِعُ: الرُّوَاةُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَفِي قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ في كل واد يهيمون} [الشعراء: ٢٢٥] ثلاث تَأْوِيلَاتٍ:
أَحَدُهَا: فِي كُلِّ فَنٍّ مِنَ الْكَلَامِ يَأْخُذُونَ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَالثَّانِي: فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ قَالَهُ قُطْرُبٌ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَمْدَحَ قوما بباطل، ويذم قوما بباطل. قال قَتَادَةُ {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء: ٢٢٦] يَعْنِي مَنْ كَذَبَ فِي مَدْحٍ أَوْ هِجَاءٍ.
فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ حَضَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَبَكَوْا وَقَالُوا: هَلَكْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء: ٢٢٧] فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ: وَقَالَ هُمْ أَنْتُمْ {وَذَكَرُوا الله كثيرا} فيها وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: فِي شِعْرِهِمْ.
وَالثَّانِي: فِي كَلَامِهِمْ.
{وانتصروا من بعد ما ظلموا} أَيْ رَدُّوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا هَجَوْا بِهِ الْمُسْلِمِينَ، فَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْمَذْمُومَ مِنَ الشِّعْرِ مَا فِيهِ مِنْ هَجْوٍ: وَالْهَجْوُ فِي الْكَلَامِ مَذْمُومٌ فَكَيْفَ فِي الشِّعْرِ، وَلِأَنَّ الشِّعْرَ يَحْفَظُهُ نَظْمُهُ فَيَنْتَشِرُ وَيَبْقَى عَلَى الْأَعْصَارِ وَالدُّهُورِ.
وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلىء شِعْرًا " فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ مِنَ الشِّعْرِ كَذِبًا وَفُحْشًا وَهِجَاءً.
وَالثَّانِي: أَنَّ يَنْقَطِعُ إِلَيْهِ وَيَتَشَاغَلُ عَنِ الْقُرْآنِ وَعُلُومِ الدِّينِ.