للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْحَقِّ، فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَسْمَعَ إِقْرَارَ الْمُقِرِّ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ يَقُولُ: " لِفُلَانٍ عَلِيَّ كَذَا دِرْهَمٌ " فَيَصِحُّ تَحَمُّلُ الشَّاهِدِ لِهَذَا الْإِقْرَارِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ الْمُقِرُّ لِلشَّهَادَةِ، وَيَقُولُ " اشْهَدْ عَلِيَّ بِهَذَا "، لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْإِقْرَارِ عِنْدَ الْحُكَّامِ أَنْ لَا يَكُونَ إِلَّا بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ فَاسْتُغْنِى بِالْعُرْفِ عَنْ الِاسْتِرْعَاءِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَسْمَعَ إِقْرَارَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ. إِمَّا عِنْدَ الشَّاهِدِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِ الشَّاهِدِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِفَةِ التَّحَمُّلِ لِلشَّهَادَةِ بِهَذَا الْإِقْرَارِ، هَلْ يَفْتَقِرُ إِلَى اسْتِرْعَاءِ الْمُقِرِّ؟ وَالِاسْتِرْعَاءُ أَنْ يَقُولَ: اشْهَدْ عَلَيَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَطَائِفَةٍ، أَنَّ التَّحَمُّلَ لِلشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِالِاسْتِرْعَاءِ بِهَا، فَإِنْ سَمِعَ الشَّاهِدُ الْإِقْرَارَ مِنْ غَيْرِ اسْتِرْعَاءٍ لَمْ يَصِحَّ تَحَمُّلُهُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِدْ بِذَلِكَ: عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أُقْرِضُكَ إِيَّاهَا، أَوْ أَهَبُهَا لَكَ، فَلَا يُلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ. فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ التَّحَمُّلُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ تَحَمُّلَ الْإِقْرَارِ صَحِيحٌ وَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ الِاسْتِرْعَاءِ، وَالشَّهَادَةُ بِهِ جَائِزَةٌ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ دُونَ السَّرَائِرِ.

وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إِذَا اخْتَبَأَ الشَّاهِدُ حَتَّى سَمِعَ إِقْرَارَ الْمُقِرِّ: أَنَّ لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْفًا، وَالْمُقِرُّ غَيْرُ عَالِمٍ بِحُضُورِ الشَّاهِدِ وَسَمَاعِهِ، أَنْ يَتَحَمَّلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَيَشْهَدَ بِهَا عَلَى الْمُقِرِّ. إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمُقِرِّ غَفْلَةٌ تَتِمُّ بِهَا الْحِيلَةُ عَلَيْهِ وَالْخِدَاعُ، فَلَا يصح تحمل الشهادة من المختبىء حَتَّى يَرَاهُ الْمُقِرُّ أَوْ يَعْلَمَ بِهِ.

وَسَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ ذِي الْغَفْلَةِ وَغَيْرِهِ فِي صحة تحمل المختبىء.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى لِتَمَامِ الْحِيلَةِ عَلَى الْغَافِلِ وَانْتِفَائِهَا عَنِ الضَّابِطِ فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي وُجُوبِ الِاسْتِرْعَاءِ.

وَالْأَصَحُّ عِنْدِي مِنْ إِطْلَاقِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يُعْتَبَرَ حَالُ الْإِقْرَارِ، إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ قَوْلٌ أَوْ أَمَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ اسْتَغْنَى تَحَمُّلُهُ عَنْ الِاسْتِرْعَاءِ، وَالْقَوْلُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ " لَهُ عَلِيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِحَقٍّ وَاجِبٍ ".

وَالْأَمَارَةُ أَنْ يَحْضُرَ الْمُقِرُّ عِنْدَ الشَّاهِدِ لِيَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَعْلَمَ شَاهِدُ الْحَالِ أَنَّهُ إِقْرَارٌ بِوَاجِبٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>