مِنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ الْمَعْرُوفُ أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ عَمَّا اخْتَصَّ بِالْأَبْدَانِ مِنَ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْقَسَمُ الثَّانِي فِي رُجُوعِهِمْ عَمَّا اخْتَصَّ بِالْأَحْكَامِ وَهُوَ شَيْئَانِ: الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ.
فَأَمَّا الطَّلَاقُ: فَهُوَ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى رَجُلٍ بِطَلَاقِ الثَّلَاثِ، فَيُفَرِّقُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يَرْجِعُ الشُّهُودُ، فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنَ الزَّوْجِ بَعْدَ نُفُوذِ الْحُكْمِ بِطَلَاقِهَا وَعَلَى الشُّهُودِ مَهْرُ مِثْلِهَا لِلزَّوْجِ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ.
اسْتِدْلَالًا: بِأَنَّهُ لَيْسَ لِخُرُوجِ الْبِضْعِ عَنْ مِلْكِ الزَّوْجِ قِيمَةٌ، وَلَوْ كَانَ مُقَوَّمًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي مِلْكِهِ، لَوَجَبَ إِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا، أَنْ يَكُونَ مَهْرُ مِثْلِهَا مَحْسُوبًا مِنْ ثُلُثِهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ، وَلَوَجَبَ إِذَا طَلَّقَهَا وَقَدْ أَحَاطَ دَيْنُهُ بِتَرِكَتِهِ أَنْ لَا يَقَعَ طَلَاقُهُ، كَمَا لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ وَهَذَا مَدْفُوعٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ فِي خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِهِ كَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فِيمَا اسْتَهْلَكَهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذِي قِيمَةٍ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ ضَمَانِهِ، إِنَّ عَقْدَ النِّكَاح بَعْدَ الدُّخُولِ أَقْوَى وَقَبْلَهُ أَضْعَفُ، لِارْتِفَاعِ الْعَقْدِ بِالرِّدَّةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَوُقُوفِهِ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَوَافَقُونَا عَلَى تَضْمِينِ الشُّهُودِ إِذَا شَهِدُوا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَضْمَنُوا إِذَا شَهِدُوا بِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ.
وَتَحْرِيرُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ قِيَاسًا، إِنَّهَا شَهَادَةٌ بِطَلَاقٍ فَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ عَنْهَا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ كَالشَّهَادَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَالْمَالُ قَبْلَ الدُّخُولِ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِرِدَّتِهَا، وَبِالْفَسْخِ إِذَا كَانَ مِنْ قَبْلِهَا، وَهُوَ بَعْدَ الدُّخُولِ مُسْتَقِرٌّ لَا يَسْقُطُ بِحَالٍ، فَإِذَا شَهِدُوا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَدْ أَثْبَتُوا بِهِ صِفَةَ الْمُعَرَّضِ لِلسُّقُوطِ فَضُمِّنُوا، وَإِذَا شَهِدُوا بِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مُعَرَّضًا لِلسُّقُوطِ فَلَمْ يُضَمَّنُوا.
قِيلَ: عَكْسُ هَذَا أَوْلَى، لِأَنَّ الصَّدَاقَ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، فَإِذَا شَهِدُوا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَدْ أَسْقَطُوا بِهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَإِذَا شَهِدُوا بِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ يُسْقِطُوا بِهِ شَيْئًا مِنَ الصَّدَاقِ، فَكَانَ ضَمَانُهُمْ بَعْدَ الدُّخُولِ أَقْوَى مِنْ ضَمَانِهِمْ قَبْلَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهُوَ بَعْدُ الدُّخُولِ قَدِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، فَلَمْ يُضَمَّنُوا وَقَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَسْتَوْفِهِ فَضُمِّنُوا.