للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِلْكِهِ، وَفِي الصُّوفِ أَنَّهُ مِنْ غَنِمَهُ جُزَّ فِي مِلْكِهِ، قُضِيَ لَهُ بِمِلْكِ الْجَارِيَةِ وَالثَّمَرَةِ، وَالصُّوفِ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ أَصْلًا، مَلَكَ مَا حَدَثَ عَنْهُ مِنَ النَّمَاءِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ المغضوب منه يستحق نماء ملكه مع استرجاء أَصْلِهِ، فَصَارَتِ الشَّهَادَةُ بِهَذَا شَهَادَةٌ بِالْمِلْكِ، وَسَبَبُهُ، فَكَانَتْ أَوْكَدَ مِنَ الشَّهَادَةِ، بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَذِهِ شَهَادَةٌ بِمِلْكٍ مُتَقَدِّمٍ، وَلَيْسَتْ شَهَادَةً بملك في الحال، فصار كشهادتهم أم هَذِهِ الْجَارِيَةَ كَانَ مَالِكًا لَهَا فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِمِلْكِهَا، فَكَذَلِكَ فِي الْوِلَادَةِ.

قِيلَ: قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ وَالشَّهَادَةَ بِقَدِيمِ الْوِلَادَةِ وَالنِّتَاجِ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي اخْتِلَافِ النَّصَّيْنِ مَعَ تَشَابُهِ الْأَمْرَيْنِ فَكَانَ الْبُوَيْطِيُّ، وَابْنُ سُرَيْجٍ، يَحْمِلَانِهِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُحْكَمُ بِالْمِلْكِ فِي الشَّهَادَةِ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ، وَالشَّهَادَةِ بِالْوَلَدِ، وَالنِّتَاجِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي النِّتَاجِ، اسْتِصْحَابًا لِثُبُوتِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْمِلْكِ فِي الشَّهَادَةِ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ، والشهادة بالولد، والنتاج، على ما نص عليه فِي الشَّهَادَةِ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ، لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُتَقَدِّمَ قَدْ يَزُولُ بِأَسْبَابٍ فَلَمْ تُوجِبْ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ.

وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ، يَمْنَعُونَ مِنْ تَخْرِيجِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَيَحْمِلُونَ جَوَابَ الشَّافِعِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَيَحْكُمُونَ لَهُ بِمِلْكِ الْوَلَدِ وَالنِّتَاجِ، إِذَا شَهِدُوا لَهُ بِحُدُوثِ الْوِلَادَةِ، وَالنِّتَاجِ فِي مِلْكِهِ، وَلَا يَحْكُمُونَ لَهُ بِمِلْكِهِمَا، إِذَا شَهِدُوا لَهُ بِقَدِيمٍ مِلْكَهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ شَهِدُوا فِي الْوِلَادَةِ وَالنِّتَاجِ بِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَنَمَاءُ مِلْكِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ، كَمَا لَوْ شَهِدُوا لَهُ بِغَصْبِ مَاشِيَةٍ نَتَجَتْ، وَنَخْلٍ أَثْمَرَتْ، مَلَكَ بِهِ النِّتَاجَ، وَالثَّمَرَةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ شَهَادَتُهُمْ بِقَدِيمِ الْمِلْكِ، لِتُنْقَلَ أَحْوَالُهُ مِنْ مَالِكٍ إِلَى مَالِكٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّ النِّتَاجَ لَمَّا لَمْ يَتَقَدَّمُهُ فِيهِ مَالِكٌ، صَارَ فِي تَمَلُّكِهِ أَصْلًا، وَقَدِيمُ الْمِلْكِ، لَمَّا تَقَدَّمَهُ فِيهِ مَالِكٌ، صَارَ فِي تَمَلُّكِهِ فَرْعًا وَحُكْمُ الْأَصْلِ أَقْوَى مِنْ حُكْمِ الْفَرْعِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْدُثَ الْوَلَدُ لِغَيْرِ مَالِكِ الْأُمِّ كَالْمُوصِي إِذَا وَصَّى بِأَمَتِهِ لِزَيْدٍ وَتِحَمْلِهَا لِعَمْرٍو، فَإِنَّهَا تَلِدُهُ فِي مِلْكِهِ، وَلَيْسَ يَمْلِكُهُ.

قِيلَ: هَذَا نَادِرٌ أَخْرَجَتْهُ الْوَصِيَّةُ عَنْ حُكْمِ أَصْلِهِ، فَصَارَ كَالِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي لَا يَمْنَعُ جَوَازُهُ مِنِ اسْتِعْمَالِ أَصْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ قَبْلَ وُرُودِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>