للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ لَا يُحْكَمُ بِالْقَافَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُخْلَقَ الْوَلَدُ مِنْ مَاءِ رَجُلَيْنِ وَأَكْثَرُ، وَأَلْحَقَهُ بِجَمِيعِهِمْ، وَلَوْ كَانُوا مِائَةً.

وَإِذَا تَنَازَعَ امْرَأَتَانِ وَلَدًا أَلْحَقْتُهُ بِهِمَا كَالرَّجُلَيْنِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أُلْحِقُهُ بِالْوَاحِدِ إِجْمَاعًا، وَبِالِاثْنَيْنِ أَثَرًا وَبِالثَّلَاثَةِ قِيَاسًا وَلَا أُلْحِقُهُ بِالرَّابِعِ، فَتَحَرَّرَ الْخِلَافُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:

أحدها: في إِلْحَاقِهِ بِالْقَافَةِ مَنَعَ مِنْهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَجَوَّزْنَاهُ.

والثاني: في إلحاقه بأبوين جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبْطَلْنَاهُ.

وَالثَّالِثُ: فِي خَلْقِهِ مِنْ مَاءَيْنِ فَأَكْثَرَ، صَحَّحَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَفْسَدْنَاهُ.

واستدل أصحاب أبي حنيفة على إبطال قوة الْقَافَةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلشَّبَهِ تَأْثِيرٌ فِي لُحُوقِ الْأَنْسَابِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ علم} وَهَذِهِ صِفَةُ الْقَائِفِ، وَبُقُولِهِ تَعَالَى: {فِي أَيِّ صورة ما شاء ركبك} وَلَوْ تَرَكَّبَتْ عَنِ الْأَشْبَاهِ زَالَتْ عَنْ مُشْتَبَهٍ. وبقوله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون} .

وَالْقِيَافَةُ مِنْ أَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ أُنْكِرَتْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَعُدَّتْ مِنَ الْبَاطِلِ، حَتَّى قَالَ جَرِيرٌ فِي شِعْرِهِ:

(وَطَالَ خِيَارِي غُرْبَةُ الْبَيْنِ وَالنَّوَى ... وَأُحْدُوثَةٌ مِنْ كَاشِحٍ يَتَقَوَّفُ)

أَيْ يَقُولُ: الْبَاطِلَ.

وَمِمَّا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ وَأَنَا أُنْكِرُهُ.

فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَهُ. قَالَ: وَهَذَا لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَهُ ". فَأَبْطَلَ الِاعْتِبَارَ بِالشَّبَهِ الَّذِي يَعْتَبِرُهُ الْقَائِفُ. وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ الْعَجْلَانِي لَمَّا قُذِفَ مِنْ شَرِيكِ بْنِ السَّحْمَاءِ بِزَوْجَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى نَعْتِ كَذَا فَلَا أَرَاهُ إِلَّا وَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى نَعْتِ كَذَا، فَلَا أَرَاهُ إِلَّا وَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا "، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا مَا حَكَمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>