الْيَوْمَ أَجْنَبِيَّاتٌ، وَكُنَّ لَهُ بِالْأَمْسِ أَخَوَاتٍ، فَأَبْطَلَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمْ بِهَذَا مَا قَالُوهُ مِنِ انْقِطَاعِ أُبُوَّتِهِ بِالْمَوْتِ، فَقَالَ بَنَاتُ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ مَا حُكْمُهُمْ مَعَ الْوَلَدِ أَيَحْلِلْنَ لَهُ أَمْ لَا؟ فَقَدْ كُنَّ لَهُ بِالْأَمْسِ أَخَوَاتٌ فَإِنْ قَالَ: يَحْلِلْنَ بَطَلَ أَنْ يَكُنَّ بِالْأَمْسِ أَخَوَاتٌ مُحَرَّمَاتٌ وَيَصِرْنَ فِي الْيَوْمِ أَجْنَبِيَّاتٌ مُحَلَّلَاتٌ، وَإِنْ قَالَ يَحْرُمْنَ، بَطَلَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ، وَلَهُنَّ أَبٌ جَامِعٌ بَيْنَ نَسَبِهِ، وَنَسَبِهِنَّ، وَيَصِرْنَ أَجْنَبِيَّاتٍ مُحَرَّمَاتٍ.
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: مِمَّا قَالُوهُ فِي التَّوَارُثِ بَيْنَهُمْ، أَنَّهُ إِنْ مَاتَ جَعَلُوا مِيرَاثَهُ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ، وَأَعْطَوْا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِيرَاثَ بَعْضِ أَبٍ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ أَعْطَوْهُ جَمِيعَ مِيرَاثِ أَبٍ تَامٍّ، فَجَعَلُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْضَ أَبٍ، وَلَمْ يَجْعَلُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْضَ ابْنٍ.
فَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلشَّافِعِيِّ: كَيْفَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُوَرِّثَهُ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَلْزَمُكَ أَنْ تُوَرِّثَهُمْ فِي قَوْلِكَ: أَنْ نُورِّثَهُ مِنْ كُلِّ واحد منهم سهما من مائة سهم من مِيرَاثِ ابْنٍ، كَمَا نُوَرِّثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ مِيرَاثِ أَبٍ، فَاعْتَرَضَ الْمُزَنِيُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ فَقَالَ: " لَيْسَ هَذَا بِلَازِمٍ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ كُلِّ أَبٍ أَبُو بَعْضِ الِابْنِ وَلَيْسَ بَعْضُ الِابْنِ ابْنًا لِبَعْضِ الْأَبِ دُونَ جَمِيعِهِ.
ثُمَّ اسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ: " كَمَا لَوْ مَلَكُوا عَبْدًا، كَانَ جَمِيعُ كُلِّ سَيِّدٍ مِنْهُمْ مَالِكًا لِبَعْضِ الْعَبْدِ، وَلَيْسَ بَعْضُ الْعَبْدِ مِلْكًا لِبَعْضِ السَّيِّدِ، دُونَ جَمِيعِهِ فَشَذَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَسَاعَدَ الْمُزَنِيَّ عَلَى اعْتِرَاضِهِ، وَمُنِعَ فِيمَا أَلْزَمَهُمُ الشَّافِعِيُّ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا لَهُمْ، تَعْلِيلًا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا إِلَى صِحَّةِ إِلْزَامِ الشَّافِعِيِّ لَهُمْ، وَأَبْطَلَ اعْتِرَاضَ الْمُزَنِيِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ مَا يَبْطُلُ اعْتِرَاضُ الْمُزَنِيِّ، لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْآبَاءِ أَبٌ لِكُلِّ الْوَلَدِ، وَكُلُّ الْوَلَدِ ابْنٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْآبَاءِ، فَبَطَلَ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْمُزَنِيُّ مِنِ اشْتِرَاكِ السَّادَةِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا كَانَ بَعْضُ الْوَلَدِ ابْنًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْآبَاءِ، وَجَبَ إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْآبَاءِ، أَنْ لَا يَرِثَهُ مِنْ بَعْضِ الْبَنِينَ مَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِجَمِيعِ الْبُنُوَّةِ، فَصَحَّ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَفَسَدَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُزَنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا بَطَلَ إِلْحَاقُ الْوَلَدِ بِآبَاءٍ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُ الْقَافَةِ، لِأَنَّ النَّاسَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَوَجَبَ فَسَادُ أَحَدِهِمَا صِحَّةُ الْآخَرِ، وَقَدِ اسْتُشْهِدَ مِنْ عِلْمِ الْقَافَةِ فِي إِلْحَاقِ الْأَنْسَابِ، مَا يُزِيلُ لارتياب بِهِ، فَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا شَكَّ فِي ابْنٍ لَهُ، فَسَارَ بِهِ إِلَى دِيَارِ بَنِي مُدْلِجٍ وَمَعَ الْأَبِ أَخٌ لَهُ، وَهُمَا عَلَى رَاحِلَتَيْنِ، وَالْوَلَدُ مَاشٍ، فَأَعْيَا، وَأَقْبَلَ صَبِيٌّ مِنْهُمْ فَقَالَ لَهُ الْأَبُ: ارْدُفْ هَذَا الْغُلَامَ بِنَا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ وَإِلَيْهِمَا ثُمَّ قَالَ: أُرْدِفُهُ بِأَبِيهِ، أَوْ بِعَمِّهِ؟ فَقَالَ: بِأَبِيهِ. فَأَرْدَفَهُ بِهِ، فَعَادَ مِنْ فَوْرِهِ وَزَالَ مَا كَانَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute