للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَصَرَ، وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ إِنَّا نَكُونُ عَلَى حَرْبٍ فَيَكْثُرُ مقامنا أفنقصر فَقَالَ أَقْصُرْ وَإِنْ بَقِيتُ عَشْرَ سِنِينَ

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَقْصُرُ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ إِتْمَامَ الصَّلَاةِ عَزِيمَةٌ، وَالْقَصْرَ رُخْصَةٌ فِي السَّفَرِ وَالْمُقِيمُ غَيْرُ مُسَافِرٍ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ إِلَّا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهَا فَكَانَ مَا سِوَاهَا عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فِي وُجُوبِ الْإِتْمَامِ، وَإِنَّمَا قَصَرَ ابْنُ عُمَرَ بِأَذْرَبِيجَانَ؛ لِأَنَّهُ إِقْلِيمٌ يَجْمَعُ بُلْدَانًا شَتَّى وَقُرًى مُخْتَلِفَةً كَالْعِرَاقِ فَكَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَمِنْ قَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَةٍ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَانَ يَقْصُرُ، فَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْمُحَارِبِ إِذَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ، فَأَمَّا إِنْ نَوَى فِي الْحَرْبِ إِقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَصَحُّهُمَا: لَا يَقْصُرُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الْإِقَامَةِ وَقَدْ نَوَاهَا وَصَارَ بِهَا مُقِيمًا، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَقْصُرَ إِذَا كَانَ مُقِيمًا؛ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ لَجَازَ لِلْمُسْتَوْطِنِ فِي بَلَدِهِ أَنْ يَقْصُرَ إِذَا كَانَ مُحَارِبًا

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَقْصُرُ؛ لِأَنَّ أَعْذَارَ الْحَرْبِ تُخَالِفُ مَا سِوَاهَا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَقْصُرُ إِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا

وَالثَّانِي: يَقْصُرُ مَا دَامَتِ الْحَرْبُ قَائِمَةً

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَكُونَ مُحَارِبًا وَإِنَّمَا يَنْتَظِرُ بِمُقَامِهِ خُرُوجَ قَافِلَةٍ تِجَارِيَّةٍ أَوْ بَيْعَ مَتَاعٍ أَوْ زَوَالَ مَرَضٍ ثُمَّ يَخْرُجُ فَهَذَا يقصر تماماً أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ كَوَامِلَ سِوَى يَوْمِ دُخُولِهِ

وَإِنَّمَا قُلْنَا يَقْصُرُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْإِتْمَامَ لَا يَجِبُ إِلَّا بِالْعَزْمِ عَلَى الْإِقَامَةِ أَوْ بِوُجُودِ فِعْلِ الْإِقَامَةِ

فَإِذَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْإِقَامَةِ قَصَرَ إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ فِعْلُ الْإِقَامَةِ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ

وَإِذَا أَكْمَلَهَا سِوَى يَوْمِ دُخُولِهِ فَهَلْ يَقْصُرُ أَمْ لَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ:

مِنْهَا قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ؛ وَقَوْلٌ ثَالِثٌ مُخَرَّجٌ

أَحَدُ الْأَقَاوِيلِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِقَامَةِ آكَدُ مِنَ الْعَزْمِ عَلَى الْمُقَامِ لِأَنَّ الْفِعْلَ إِذَا وُجِدَ تَحَقَّقَ، وَقَدْ يَعْزِمُ عَلَى الْمُقَامِ وَلَا يَصِيرُ مُقِيمًا، فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ بِالْعَزْمِ عَلَى إِقَامَةِ أَرْبَعٍ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ كَانَ بِإِقَامَةِ أَرْبَعَةٍ أَوْلَى أَنْ يَلْزَمَهُ الْإِتْمَامُ

وَالْقَوْلُ الثاني: وهو قول فِي " الْإِمْلَاءِ " يَقْصُرُ إِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَصَرَ هَذِهِ الْمُدَّةَ تَوَقُّعًا لِانْجِلَاءِ الْحَرْبِ عِنْدَ اشْتِغَالِهِ بِهَا. وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ الْمُحَارِبِ إِذَا تَوَقَّعَ إِنْجَازَ أَمْرِهِ وَتَقَضِّيَ أَشْغَالِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>