للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَصَرُّفًا، وَأَظْهَرُ عِلْمًا، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْحَادِثَةَ، إِذَا حَاذَاهَا أَصْلَانِ أُلْحِقَتْ بِأَقْوَاهُمَا شَبَهًا بِهَا، كَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِمْ فِي الْجَمِيعِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ " وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْيَدِ مُدَّعٍ، وَمُدَّعًى عَلَيْهِ.

وَلِأَنَّهُ أَثَرٌ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، فَصَارَ كَالْإِجْمَاعِ.

وَلِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْيَدِ يَمْنَعُ مِنَ التَّرْجِيحِ بِالْعُرْفِ. قِيَاسًا عَلَى يَدِ الْمُشَاهَدَةِ.

وَلِأَنَّ مَا لَمْ يَتَرَجَّحْ بِهِ يَدُ الْمُشَاهَدَةِ، لَمْ يَتَرَجَّحْ بِهِ يَدُ الْحُكْمِ، كَتَنَازُعِ الدَّبَّاغِ، وَالْعَطَّارِ فِي عِطْرِهِ، وَدِبَاغَتِهِ.

وَلِأَنَّ مَا يَسْقُطُ فِيهِ اعْتِبَارًا الْعُرْفُ فِي الْيَدِ الْمُفْرَدَةِ، سَقَطَ فِيهِ اعْتِبَارُهُ فِي الْيَدِ الْمُشْتَرَكَةِ، كَالْغَنِيِّ، وَالْفَقِيرِ، فِي اللُّؤْلُؤِ، وَالْجَوْهَرِ. وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ مَعَ اشْتِرَاكِ الْيَدِ مُعْتَبَرًا، لَأَوْجَبَ تَنَازُعَ الْعَطَّارِ، وَالدَّبَّاغِ فِي الْعِطْرِ وَالدِّبَاغَةِ أَنْ يَجْعَلَ العطر للعطار والدباغة للدباغ، وفي تنازغ الْغَنِيِّ، وَالْفَقِيرِ، فِي اللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ أَنْ تُجْعَلَ لِلْغَنِيِّ دُونَ الْفَقِيرِ، وَفِي أَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ آلَاتِ الصُّنَّاعِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَهُ فَكَذَلِكَ فِي أَثَاثِ الْبَيْتِ، وَهَذَا إِلْزَامٌ لَا يَتَحَقَّقُ عَنْهُ انْفِصَالٌ وَيَدُ الْمُشَاهَدَةِ، تَدْفَعُ جَمِيعَ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا قَالُوهُ إَنَّ يَدَ الحاكم تُوجِبُ اسْتِيلَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى جَمِيعِهِ، اسْتِشْهَادًا بِمَا ذَكَرُوهُ، فَهِيَ أَنَّهَا دَعْوَى نُخَالِفُهُمْ فِيهَا، وَلَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي يَدِ الحكم، أن يدعيه إلا عليها، وَلَا يَدَّعِيَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَعْوَى نِصْفِهِ، كَالْيَدِ الْمُشَاهَدَةِ فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ، ثُمَّ لَمَّا صَارَتْ يَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى جَمِيعِهِ، أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِتَفَرُّدِ أَحَدِهِمَا بِبَعْضِهِ، وَعَكْسُهُ فِي يَدِ الْمُشَاهَدَةِ أَشْبَهُ، لِتَفَرُّدِهِ بِالْيَدِ عَلَى الْبَعْضِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَلَى مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنْ رَاكِبِ الدَّابَّةِ، وَقَائِدِهَا، فَهُوَ أَنَّ أَصْحَابَنَا قَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ، فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الرَّاكِبَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الْقَائِدِ، لِأَنَّ لِلرَّاكِبِ مَعَ الْيَدِ تَصَرُّفًا، لَيْسَ لِلْقَائِدِ كَلَابِسِ الثَّوْبِ، وَمُمْسِكِهِ يَكُونُ اللَّابِسُ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْمُمْسِكِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنَ الْأَثَاثِ، مِنْ سُبُوقِ يَدِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ فَهُوَ أَنَّهَا دَعْوَى مَدْفُوعَةٌ، لِجَوَازِ أَنْ تَسْبِقَ يَدُ الْمَرْأَةِ عَلَيْهِ بِصَنْعَةٍ أَوِ ابْتِيَاعٍ مِنْ صَانِعٍ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>