وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مَوْجُودًا وَقْتَ عِتْقِهَا، وَمَوْلُودًا قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهَا، فَفِيهِ قَوْلَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْحَمْلِ، هَلْ لَهُ مِنَ الثَّمَنِ قِسْطٌ أَمْ لَا؟
فَإِنْ قِيلَ: لَا قِسْطَ لَهُ مِنَ الثَّمَنِ، وَهُوَ تَبَعٌ كَانَ كَالْحَادِثِ بَعْدَ عِتْقِهِ، فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ كَوْنِهِ جَارِيًا مَجْرَى كَسْبِهَا، وَيُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ عِتْقِهَا، وَيَرِقُّ مِنْهُ بِقَدْرِ رِقِّهَا، وَيَدْخُلُ بِهِ دَوْرٌ يَزِيدُ فِي عِتْقِهَا.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ لِلْحَمْلِ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ كَانَ الْحَمْلُ مُبَاشَرًا بِالْعِتْقِ مِثْلَ أُمِّهِ، وَيُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُهُ، وَلَا يَدْخُلُ دَوْرٌ فِي زِيَادَةِ عِتْقِهَا، وَهَلْ يُقَرُّ عِتْقُ الثُّلُثِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ يُكْمَلُ بِالْقُرْعَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مُحْتَمَلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُكْمَلُ عِتْقُ الثُّلُثَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا بِالْقُرْعَةِ كَمَا لَوْ كان في ذَلِكَ فِي عَبْدَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَرُّ عِتْقُ الثُّلُثِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا يُكْمَلُ فِي أَحَدِهِمَا، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَائِعِ لَهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ حَادِثًا بَعْدَ عِتْقِهَا، وَمَوْلُودًا بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا، فَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ عِتْقِ الْمُبَاشَرَةِ، لِحُدُوثِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ.
وَهَلْ يَكُونُ لَهُمَا كَسْبًا أَوْ تَبَعًا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: إِنْ قِيلَ: لِلْحَمْلِ قِسْطٌ مِنَ الثَّمَنِ كان كسبا لها اعتبار بِعُلُوقِهِ فَيَدْخُلُ بِهِ دَوْرٌ فِي زِيَادَةِ عِتْقِهَا، وَيَكُونُ رِقُّهُ لِلْوَرَثَةِ مِيرَاثًا، فَيُعْتَقُ مِنْهَا إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ دِرْهَمٍ نِصْفُهَا، وَيَتْبَعُهَا نِصْفُ وَلَدِهَا تَبَعًا لَهَا، وَيَرِقُّ لِلْوَرَثَةِ نِصْفُهَا، وَنِصْفُ وَلَدِهَا، وَهُوَ مِثْلَا مَا عَتَقَ مِنْهَا.
وَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ لِلْحَمْلِ قِسْطٌ من البيع، وهو تبع اعتبار بِوِلَادَتِهِ، خَرَجَ مِنَ التَّرِكَةِ، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهِ دَوْرٌ فِي زِيَادَةِ الْعِتْقِ، وَعَتَقَ ثُلُثُهَا، وَعَتَقَ ثُلُثُ وَلَدِهَا تَبَعًا، لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِهَا، وَيَكُونُ لَهَا وَلَاءُ مَا عَتَقَ مِنْ وَلَدِهَا، وَلِسَيِّدِهَا وَلَاءُ مَا عَتَقَ مِنْهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا، وَرَقَّ ثُلُثَاهَا لِلْوَرَثَةِ مِيرَاثًا، وَرَقَّ ثُلُثَا وَلَدِهَا لِلْوَرَثَةِ مِلْكًا، وَلَا يَكْمُلُ الْعِتْقُ بِالْقُرْعَةِ فِي أَحَدِهِمَا، وَيُتْرَكُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، لِأَنَّهُ عَتَقَ مِنْ كَسْبِهَا، وَلَمْ يُعْتَقْ عَلَى سَيِّدِهَا.
وَالضَّرْبُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مَوْجُودًا وَقْتَ عِتْقِهَا، وَمَوْلُودًا بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا، فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ كَسْبًا لَهَا، وَفِيمَنْ تَكُونُ كسبا لها قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَكُونُ كَسْبًا لِلسَّيِّدِ، إِذَا قِيلَ: لِلْحَمْلِ قِسْطٌ مِنَ الثَّمَنِ يُضَافُ إِلَى تَرِكَتِهِ، وَيَدْخُلُ بِهِ دَوْرٌ يَزِيدُ فِي الْعِتْقِ، وَيُجْرِيهِ فِي عَمَلِ الدَّوْرِ مَجْرَى الْكَسْبِ، لِتَمَاثُلِ الْعِتْقِ فِيهِمَا، وَلَا يَتَفَاضَلُ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَلِدَ بِحُرِّيَّتِهَا مَمْلُوكًا، وَلَا بِرِقِّهَا حُرَّا فَيُعْتَقُ نِصْفُهَا وَنِصْفُ وَلَدِهَا، وَيُعْتَبَرُ مَا عَتَقَ مِنْهَا فِي ثُلُثِ السَّيِّدِ، وَلَا يُعْتَقُ فِيهِ مَا عَتَقَ مِنْ وَلَدِهَا،