حُكْمُ الْأَدَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ، لِأَنَّهُ قَدْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، ثُمَّ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ، فَعَتَقَ بِأَسْبَقِهِمَا وَالْمَوْتُ أَسْبَقُ، كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَأَنْتَ حُرٌّ. عَتَقَ بِأَسْبَقِهِمَا قُدُومًا.
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
مَا حَكَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ وَهَبَ الْمُدَبَّر هِبَةَ بَتَاتٍ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبَضْ، كَانَ رُجُوعًا.
وَالْجَوَابُ فِي حُكْمِ الْهِبَةِ أَنَّهُ إِنْ أَقْبَضَهَا صَحَّ رُجُوعُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ كَالْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبِضْهَا كَانَ رُجُوعًا فِي التَّدْبِيرِ إِنْ أُجْرِيَ مَجْرَى الْوَصَايَا، وَفِي صِحَّةِ رُجُوعِهِ إِنْ أُجْرِيَ مَجْرَى الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ رُجُوعًا لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ رُجُوعًا لِشُرُوعِهِ فِي إِخْرَاجِهِ عَنْ مِلْكِهِ.
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ
مَا حَكَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ مِنْ رُجُوعِهِ فِي تَدْبِيرِ رُبْعِهِ أَوْ نِصْفِهِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي رُجُوعِهِ فِي تَدْبِيرِ جَمِيعِهِ إِنْ قِيلَ بِأَنَّهُ كَالْوَصَايَا جَازَ، وَإِنْ قِيلَ بِأَنَّهُ كَالْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُدَبِّرَ بَعْضَ عَبْدِهِ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُدَبِّرَ جَمِيعَهُ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَدْبِيرِ بَعْضِهِ هَلْ يُعْتَقُ بِهِ جَمِيعُهُ إِذَا مَاتَ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الوَجْهَيْنِ فِي حُكْمِ السِّرَايَةِ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا إِذَا قَالَ: قَدْ رَجَعْتُ فِي تَدْبِيرِ رَأْسِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَكُونُ كَالتَّصْرِيحِ بِالرُّجُوعِ فِي جَمِيعِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالرَّأْسِ فَيُقَالُ: هَذَا رَأْسٌ مِنَ الرَّقِيقِ، فَيَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ رُجُوعًا فِي شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّ التَّدْبِيرَ صَرِيحٌ فِي جَمِيعِهِ، وَالرُّجُوعَ كِنَايَةٌ مُحْتَمَلَةٌ فِي بَعْضِهِ فَلَمْ يَبْطُلْ حُكْمُ الصَّرِيحِ بِالِاحْتِمَالِ، وَيُخَالِفْ حُكْمُ رُجُوعِهِ فِي رُبْعِهِ أَوْ نِصْفِهِ، لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي مُقَدَّرٍ قَابِلٍ صَرِيحًا عَامًّا. فلم يكن في هذه المساءل الثَّلَاثَةِ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَفْرِيعٌ عليه.
وأما استدلالاه عَلَى نُصْرَةِ اخْتِيَارِهِ فِي جَوَازِ رُجُوعِهِ:
فَأَحَدُهُمَا: إِنْ قَالَ مَنْعُهُ مِنَ الرُّجُوعِ فِي تَدْبِيرِهِ مُفْضٍ إِلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ مذهبه في جواز بيعه، فلزم أن لا يَخْتَلِفَ قَوْلُهُ فِي جَوَازِ رُجُوعِهِ وَهَذَا مَنْقُوضٌ بِالْعِتْقِ بِالصِّفَةِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي تَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِالصِّفَةِ، فَلَمْ يَلْزَمِ الْجَمْعُ بَيْنَ جَوَازِ الْبَيْعِ وَجَوَازِ الرُّجُوعِ.
وَالِاسْتِدْلَالُ الثَّانِي: إِنْ قَالَ الْأَيْمَانُ وَالْعِتْقُ بِالصِّفَاتِ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وعتق المدبر