للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِهَا مِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ ".

وَرَوَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ أَعَانَ غَارِمًا، أَوْ غَازِيًا، أَوْ مُكَاتَبًا فِي كِتَابَتِهِ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ وَلَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ".

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَاتَبَتْهُ وَقَالَتْ لَهُ: كَمْ بَقِيَ عَلَيْكَ قَالَ: قُلْتُ: أَلْفُ دِرْهَمٍ. قَالَتْ: فَعِنْدَكَ مَا تُؤَدِّي.

قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: ادْفَعْهَا إِلَى فُلَانٍ، ابْنِ أُخْتِهَا، ثُمَّ أَلْقَتِ الْحِجَابَ، وَقَالَتْ: السَّلَامُ عَلَيْكَ - هَذَا آخِرُ مَا تَرَانِي - سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " إِذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ ".

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ بَرِيرَةَ كُوتِبَتْ عَلَى تِسْعِ أُوَاقٍ تُؤَدِّي فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةً.

وَكَاتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَبْدًا لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.

وَكَاتَبَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلَاهُ سِيرِينَ أَبَا مُحَمَّدٍ عَلَى مَالٍ تَرَكَ عَلَيْهِ مِنْهُ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ. قِيلَ فِي أَوَّلِ نُجُومِهِ.

وَقِيلَ: فِي آخِرِهَا: وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهَا إِذَا طَلَبَهَا [الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ، فَذَهَبَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى وُجُوبِهَا، وَأَنْ يُؤْخَذَ بِهَا السَّيِّدُ إِذَا طَلَبَهَا الْعَبْدُ] بِقَدْرِ قِيمَتِهِ فَمَا زَادَ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] وَهَذَا أَمْرٌ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. ثُمَّ قَالَ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] . وَالْإِيتَاءُ وَاجِبٌ فَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ، لِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ.

وَلِأَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَنْ يُكَاتِبَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ فَعَلَاهُ عُمَرُ بِالدُّرَّةِ وَقَالَ: أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] فَكَاتَبَهُ وَلِأَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي تُفْضِي إِلَى صَلَاحِ النُّفُوسِ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْإِجْبَارُ فِيهَا كَالْمُضْطَرِّ إِلَى طَعَامٍ يُجْبَرُ مَالِكُهُ عَلَى بَيْعِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ النَّفْسِ، كَذَلِكَ الْكِتَابَةُ الْمُفْضِيَةُ إِلَى الْعِتْقِ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الْإِجْبَارُ عَلَيْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ صَلَاحِ النَّفْسِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ ومالك

<<  <  ج: ص:  >  >>