للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مَا رَوَاهُ حُجَيَّةُ بْنُ عَدِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَرَوَى أَبُو الْبَخْتَرِيِّ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَسْلَفَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ وَرَوَى مِقْسَمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: أَسْلَفَنَا الْعَبَّاسُ صَدَقَةَ الْعَامِ وَالْعَامِ الْمُقْبِلِ) فإذا قِيلَ فَتَعْجِيلُ زَكَاةِ عَامَيْنِ عِنْدَكُمْ لَا يَجُوزُ قُلْنَا فِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَظْهَرُ جَوَازُ تَعْجِيلِهَا أَعْوَامًا إِذَا بَقِيَ بَعْدَ الْمُعَجَّلِ نِصَابٌ اسْتِدْلَالًا بِظَاهِرِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ.

وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ وَاحِدٍ فَعَلَى هَذَا عَنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَعَجَّلَ ذَلِكَ فِي عَامَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ زَكَاةَ الْعَامِ الْمَاضِي وَهِيَ وَاجِبَةٌ وَزَكَاةَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَهِيَ تَعْجِيلٌ، فَنَقَلَ الرَّاوِي أَنَّهُ استسلف منه زكاة عامين، ويدل على مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي صَدْرِ الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - استسلف من رجل بكراً، فلما جاءته إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَهُ فَلَمَّا رَدَّ الْقَرْضَ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَدِ اقْتَرَضَ لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ مَالَ الصَّدَقَةِ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا، مَعَ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّدَقَةَ إِذَا وَجَبَتْ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَجَبَتْ لَأَهِلَ السُّهْمَانِ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَتَعَجَّلَهَا مَنْ تَجِبُ لَهُ قَبْلَ وُجُوبِهَا لَهُ، جَازَ أَنْ يُعَجِّلَهَا مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَرْضَ الْمُعَجَّلَ بَدَلٌ وَالزَّكَاةَ مُبْدَلٌ، فَلَمَّا جَازَ تَعْجِيلُ الْبَدَلِ عَنِ الزَّكَاةِ كَانَ تَعْجِيلُ الْمُبْدَلِ وَهِيَ الزَّكَاةُ أَوْلَى، لِأَنَّ الْمُبْدَلَ أَكْمَلُ حَالًا مِنَ الْبَدَلِ، فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَائِلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>