وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ عَيْنًا حَاضِرَةً فَإِنْ كَانَتْ موصوفة بالذمة، فَلَا زَكَاةَ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَإِنْ مَلَكَتْ جَمِيعَ الصَّدَاقِ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَكَانَ الزوج ملياً بها لزمها الزَّكَاةُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ السَّوْمَ شَرْطٌ فِي زَكَاةِ الْغَنَمِ لَا يَصِحُّ وُجُودُهُ فِي الذِّمَّةِ، فَلَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَلَيْسَ السَّوْمُ شَرْطًا فِي الدَّرَاهِمِ فَوَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ الصداق عيناً حاضراً كَأَنَّهُ أَصْدَقَهَا أَرْبَعِينَ بِأَعْيَانِهَا فَقَدْ مَلَكَتْهَا الزَّوْجَةُ بِالْعَقْدِ مِلْكًا تَامًّا، لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ مَلَكَ عَلَيْهَا مَا فِي مُقَابَلَتِهِ وَهُوَ الْبُضْعُ، فَاقْتَضَى أن تملك عوضه، وإن مَلَكَتْ جَمِيعَ الصَّدَاقِ بِالْعَقْدِ، جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الزكاة، واستؤنف له الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي قَبْضِ الزَّوْجَةِ أَوْ فِي يَدِ الزَّوْجِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَلْزَمُهَا زَكَاتُهُ مَا لَمْ تَقْبِضْهُ، فَإِذَا قَبَضَتْهُ اسْتَأْنَفَتْ حَوْلَهُ، وَهَذَا غَلَطٌ، لأن يد الزوج على الصداق لا يمنع مِنْ تَصَرُّفِهَا فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِ كَالْمَقْبُوضِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَمْنَعَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ كَالْمَقْبُوضِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ الْحَوْلِ جَارٍ عَلَى صَدَاقِهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ الزَّوْجِ أَوْ فِي يَدِهَا فَمَا لَمْ يُطَلِّقْهَا الزَّوْجُ فَلَا مَسْأَلَةَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ لَمْ يَخْلُ حَالُ طَلَاقِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ من الصداق والغنم التي أصدق عَلَى مِلْكِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ مَا أَصْدَقَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفً مَا فَرضْتُمْ) {البقرة: ٢٣٧) فَإِذَا وَجَبَ لَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ لَمْ يَخْلُ حَالُ طَلَاقِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ حلول الحول أو بعده، فإذا كَانَ قَبْلَ الْحُلُولِ فَقَدْ مَلَكَ الزَّوْجُ نِصْفَ الصَّدَاقِ وَبَقِيَ لَهَا نِصْفُهُ، وَبَطَلَ حُكْمُ مَا مَضَى مِنَ الْحَوْلِ إِنِ اقْتَسَمَا، وَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ، إِلَّا أن يكون مالكاً لهما من النصاب، وإن لم يقتسمها كَانَا خَلِيطَيْنِ فِي نِصَابٍ يُزَكِّيَانِهِ بِالْخُلْطَةِ، إِلَّا أَنَّ حَوْلَ الزَّوْجَةِ أَسْبَقُ مِنْ حَوْلِهِ فَتَكُونُ كمن له أربعون شاة أقامت بيده لستة أَشْهُرٍ ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، فَهَذَا إِنْ كَانَ طَلَاقُ الزَّوْجِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَإِنْ كَانَ طَلَاقُهُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَقَدْ وَجَبَتْ زَكَاةُ الغنم على الزوجة لحلول الْحَوْلِ، وَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِهَا.
وَالثَّانِي: أَنْ تُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِنْهَا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا تُخْرِجُ عَنْهَا. فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْ تُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِهَا، وَالثَّانِي أَنْ تُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِنْهَا، والثالث أن لا تُخْرِجَ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِهَا. فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الْأَرْبَعِينَ الَّتِي أَصْدَقَ لِوُجُودِ الصَّدَاقِ بِكَمَالِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ نِصْفَهُ بِطَلَاقِهِ، فَإِنْ قِيلَ فَقَدِ اسْتَحَقَّ المساكين
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute