للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرْعٌ:

وَإِذَا اشْتَرَى مِنْهُ دِينَارًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَعِيبًا بَعْدَ تَلَفِهِ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ بِأَرْشِ عَيْبِهِ نَظَرَ:

فَإِنْ كَانَ قَدِ اشْتَرَى الدِّينَارَ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْجِعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ لِأَنَّ أَخْذَ الْأَرْشِ يُؤَدِّي إِلَى التَّفَاضُلِ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ.

وَإِنْ كَانَ قَدِ اشتراه بدراهم ففي جواز الرجوع بأرش عينه وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ. اعْتِبَارًا بِعُيُوبِ سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ السَّالِفَةِ وَهَذَا أَقَيْسُ الْوَجْهَيْنِ، فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ بِأَرْشِ عَيْبِ الدِّينَارِ دَرَاهِمَ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ الْمَعِيبُ فِضَّةً رَجَعَ بِأَرْشِ عَيْبِهَا ذَهَبًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الشُّيُوخِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ وَالْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِ عَيْبِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّرْفَ أَضْيَقُ حُكْمًا مِنَ الْبِيَاعَاتِ فَلَمْ يَتَّسِعْ لِدُخُولِ الْأَرْشِ فِيهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَرْشَ يُعْتَبَرُ بِالْأَثْمَانِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْأَثْمَانِ.

فَعَلَى هَذَا لَا يَخْلُو عَيْبُ الدِّينَارِ الْمُسْتَهْلَكِ إِذَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنَ الْجِنْسِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْبًا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَوْ لَا يَصِحُّ. فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً فِي الذِّمَّةِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ دِينَارًا قَاسَانِيًّا فَيَتَبَيَّنُ بَعْدَ تَلَفِهِ مَغْرِبِيًّا. فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ بَدَلَهُ دِينَارًا مِثْلَهُ مَغْرِبِيًّا.

وَإِنْ كَانَ الْمَعِيبُ مُبَهْرَجًا مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَا فِي الذِّمَّةِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ دِينَارًا قَاسَانِيًّا فَيَتَبَيَّنُ الدِّينَارَ مُبَهْرَجًا فَعَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَرْضَ بِعَيْبِهِ أَنْ يَرُدَّ قِيمَتَهُ دَرَاهِمَ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهُ لِأَنَّ الْمُبَهْرَجَ لَا مِثْلَ لَهُ.

فَإِذَا رَدَّ مِثْلَ الدِّينَارِ الْمَعِيبِ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ أَوْ رَدَّ قِيمَتَهُ وَرِقًا فِيمَا لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ نَظَرَ: فَإِنْ كَانَ قَدِ اشْتَرَى الدِّينَارَ الَّذِي بَانَ عَيْبُهُ بِعَيْنِهِ لَمْ تَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِبَدَلِهِ وَكَانَ لَهُ اسْتِرْجَاعُ مَا دَفَعَ مِنْ ثَمَنِهِ.

وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِبَدَلِهِ سَلِيمًا مِنْ عَيْبٍ أَمْ لَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ.

فَرْعٌ:

وَإِذَا حَصَلَتْ فِي ذِمَّةِ رَجُلٍ دَرَاهِمُ مَوْصُوفَةٌ وَكَانَتْ نَقْدًا يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهِ فَحَظَرَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا وَحَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ لَمْ يَسْتَحِقَّ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُطَالِبَهُ بِقِيمَتِهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَتِهَا ذَهَبًا فِي آخِرِ يَوْمٍ حُرِّمَتْ. وَهَذَا خَطَأٌ.

لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي تَحْرِيمِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا أَنْ يَكُونَ مُوَكِّسًا لِقِيمَتِهَا، وَمَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ لَا يَسْتَحِقُّ بَدَلَهُ لِنُقْصَانِ قِيمَتِهِ كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>