فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لَهُ أَخْذُ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ بِعَيْنِهَا بَعْدَ التَّحْرِيمِ كَمَا كَانَ لَهُ أَخْذُهَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ فَعُدِمَتْ تِلْكَ الدَّرَاهِمُ وَلَمْ تُوجَدْ، كَانَ لَهُ حِينَئِذٍ أَخْذُ قِيمَتِهَا ذَهَبًا، لِتَعَذُّرِهَا وَاعْتِبَارِ زَمَانِ الْقِيمَةِ فِي آخِرِ أَوْقَاتِ وُجُودِهَا وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ آخِرُ وَقْتٍ كَانَتْ عَيْنُهَا فِيهِ مُسْتَحَقَّةً فَلَوِ ابْتَاعَ دِينَارًا وَثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ مِنْ هَذَا النَّقْدِ الْمَذْكُورِ فَحَظَرَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا قَبْلَ قَبْضِهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَيْبًا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْفَسْخَ، لِأَنَّ الْعُيُوبَ مَا اخْتُصَّتْ بِالصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ، فَأَمَّا تَحْرِيمُ السُّلْطَانِ فَعَارِضٌ يَخْتَصُّ بِالسِّعْرِ وَنَقْصِهِ، وَنُقْصَانُ الْأَسْعَارِ لَا يَكُونُ عَيْبًا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْفَسْخَ.
فَرْعٌ:
وَإِذَا تَبَايَعَا ذَهَبَهُ بِذَهَبِهِ نَظَرَ: فَإِنْ تَبَايَعَاهَا جُزَافًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَا الْمُوَازَنَةَ كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا وَيَتَرَادَّانِ. فَلَوْ وُزِنَتَا جَمِيعًا فَكَانَتَا سَوَاءً لَمْ يَصِحَّ الصَّرْفُ.
وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ عَلِمَا ذَلِكَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ صَحَّ الصَّرْفُ، وَإِنْ عَلِمَاهُ بَعْدَهُ لَمْ يَصِحَّ.
وَقَالَ زفر: يَصِحُّ بِكُلِّ حَالٍ. وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ وَمَذْهَبُنَا فِيهِ أَصَحُّ.
لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالتَّمَاثُلِ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ، ثُمَّ كَانَ الْعِلْمُ بِالتَّفَاضُلِ مُعْتَبَرًا وَقْتَ الْعَقْدِ كَذَا الْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ مُعْتَبَرًا وَقْتَ الْعَقْدِ.
فَأَمَّا إِنْ تَبَايَعَاهَا مُوَازَنَةً لَمْ يَفْسَدِ الْعَقْدُ وَكَانَ مُعْتَبَرًا بِمَا يُخْرِجُهُ الْوَزْنُ مِنْ تَمَاثُلِهِمَا أَوْ تَفَاضُلِهِمَا فَإِنْ كَانَتَا سَوَاءً صَحَّ الصَّرْفُ، وَإِنْ تَفَاضَلَتَا فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّرْفَ بَاطِلٌ لِظُهُورِ الْفَضْلِ فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الصَّرْفَ جَائِزٌ بِإِسْقَاطِ الْفَضْلِ لِاشْتِرَاطِ التَّمَاثُلِ، وَلِلَّذِي نَقَصَتْ ذَهَبَتُهُ الْخِيَارُ دُونَ الْآخَرِ لِنُقْصَانِ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي بَيْعِ صُبْرَةِ طَعَامٍ بِصُبْرَةِ طَعَامٍ.
فَرْعٌ:
وَإِذَا بَاعَ رَجُلٌ ثَوْبًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهَا مِنْ صَرْفِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ كَانَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ بَاطِلَيْنِ لِأَنَّ السِّعْرَ لَيْسَ بِصِفَةٍ يَخْتَصُّ بِالْعَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ.
فَرْعٌ:
وَلَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ بِقِيمَتِهَا دَنَانِيرَ مِنْ صَرْفِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ كَانَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ بَاطِلَيْنِ لِأَنَّهُمَا بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّرْطُ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا يَلْزَمُ الشَّرْطُ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي دَفْعِ الدَّنَانِيرِ، وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فِي قَبْضِهَا وَالْمُسْتَحِقُّ دَفْعَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي كَانَ بِهَا الْعَقْدُ.
فَرْعٌ:
فَإِذَا بَاعَهُ ثَوْبًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ نقد سوق وكذا نَظَرَ فِي نَقْدِ تِلْكَ فَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ كَانَ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ وَهُوَ أَظْهَرُ. لِأَنَّهَا صِفَةٌ يَمْتَازُ بِهَا الْمَوْصُوفُ عَنْ غَيْرِهِ. وَالثَّانِي: يَجُوزُ لِأَنَّهَا صِفَةٌ فِي غَيْرِ الْمَوْصُوفِ يَجُوزُ انْتِقَالُهَا عَنْهُ.
فَرْعٌ:
فَإِذَا اشْتَرَى دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنَّهُ يُسَاوِي الْعَشَرَةَ أَوْ عَلَى أَلَّا غَبِينَةَ عَلَيْهِ