فَرْعٌ:
وَإِذَا كَانَ عَلَى رَجُلٍ دَنَانِيرُ يُعْطِي صَاحِبَهَا دَرَاهِمَ عَلَى مَا يَتَّفِقُ عِنْدَهُ وَيَحْصُلُ بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ مُصَارَفَةٍ وَتَقْرِيرِ سِعْرٍ بِالدَّنَانِيرِ لَمْ يَكُنْ هَذَا صَرْفًا وَلَمْ يَصِرْ قِصَاصًا مِنَ الدَّنَانِيرِ وَكَانَتِ الدَّرَاهِمُ الْمَدْفُوعَةُ فِي حُكْمِ الْقَرْضِ لِصَاحِبِهَا اسْتِرْجَاعُهَا مَتَى شَاءَ وَعَلَيْهِ دَفْعُ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنَ الدَّنَانِيرِ. فَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الدَّنَانِيرِ أَنْ يَحْبِسَ مَا قَبَضَ مِنَ الدراهم على قبض ماله مِنَ الدَّنَانِيرِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَنْ بَيْعٍ فَاسِدٍ لَا يَجُوزُ حَبْسُهُ عَلَى اسْتِرْجَاعِ ثَمَنِهِ.
وَلَوِ اتَّفَقَا بَعْدَ قَبْضِ الدَّرَاهِمِ عَلَى أَنْ يَتَبَايَعَا الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ فَإِنْ كَانَتِ الدَّرَاهِمُ حَاضِرَةً لَمْ يَسْتَهْلِكْهَا الْقَابِضُ جَازَ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ بِيعُ دَرَاهِمَ حَاضِرَةٍ بِدَنَانِيرَ فِي الذِّمَّةِ.
وَإِنْ كَانَتِ الدَّرَاهِمُ قَدِ اسْتَهْلَكَهَا الْقَابِضُ وَصَارَتْ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ إِلَّا أَنْ يَتَطَارَحَا وَيَتَبَارَيَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَيَقُولُ قَابِضُ الدَّرَاهِمِ لِدَافِعِهَا قَدْ أَبْرَأْتُكَ مِنْ كَذَا دِينَارًا وَيَقُولُ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ لَقَابِضِهَا قَدْ أَبْرَأْتُهُ مِنْ كَذَا دِرْهَمًا فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُمَا جَمِيعًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِبْرَاءُ مَشْرُوطًا فَلَا يَصِحُّ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الدَّنَانِيرِ لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ قَدْ أَبْرَأْتُكَ مِنْ كَذَا دِينَارًا عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ كَذَا دِرْهَمًا وَيَقُولُ صاحب الدراهم لصاحب الدنانير قد أبرأته مِنْ كَذَا دِرْهَمًا عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ كَذَا دِينَارًا فَيَكُونُ الْإِبْرَاءُ مِنْهُمَا جَمِيعًا بَاطِلًا، لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ مَعَ الْإِطْلَاقِ.
فَلَوْ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَبْرَأَهُ صَاحِبُهُ بَرَاءَةً مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَمْ يُبْرِئْهُ الْآخَرُ مِنْ شَيْءٍ جَازَ وَكَانَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِحَقِّهِ وَلَيْسَ لِلْمُبْرِئِ مُطَالَبَةُ الْآخَرِ بِشَيْءٍ.
وَإِذَا ابْتَاعَ ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ ثُمَّ ابْتَاعَ ثَوْبًا ثَانِيًا بِنِصْفِ دِينَارٍ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ دِينَارًا بِنِصْفَيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ دِينَارًا صَحِيحًا إِلَّا أَنْ يَبْتَاعَهُمَا مَعًا بِدِينَارٍ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ دِينَارًا صَحِيحًا وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ دِينَارًا بِنِصْفَيْنِ فَلَوِ ابْتَاعَ ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ وَابْتَاعَ ثَوْبًا آخَرَ بِنِصْفِ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ ثَمَنَ الثَّوْبَيْنِ دِينَارًا صَحِيحًا كَانَ هَذَا الشَّرْطُ مَعَ الْبَيْعِ الثَّانِي بَاطِلًا وَصَحَّ بَيْعُ الثَّوْبِ الْأَوَّلِ بِنِصْفِ دِينَارٍ، لِأَنَّ مَا اقْتَرَنَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي مِنَ الشَّرْطِ يُنَافِيهِ.
وَلَوِ ابْتَاعَ ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ ثُمَّ ابْتَاعَ آخَرَ بِنِصْفِ دِينَارٍ عَلَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دِينَارًا كَانَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَائِزَيْنِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمُقْتَرِنَ بِالثَّانِي لَا يُنَافِيهِ.
فَإِذَا قَبَضَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَضَمِنَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ بَدَلَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ زَائِفٍ أَوْ بَهْرَجَةٍ أَوْ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ الضَّمَانَ جَائِزٌ إِلْحَاقًا بِضَمَانِ الدَّرْكِ وَإِنْ كان مترددا بين الوجوب والإسقاء وَهَذِهِ مِنْ مَنْصُوصَاتِ ابْنِ سُرَيْجٍ. فَإِنْ وَجَدَ القابض زَائِفًا أَوْ مُبَهْرَجًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي إِبْدَالِهَا على القاضي إن شاءه أَوْ عَلَى الضَّامِنِ إِنْ شَاءَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute