يَكُونَ النَّمَاءُ الْحَادِثُ بَعْدَهُ تَابِعًا لَهُ كَالْمَبِيعِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقْضِي إِلَى زَوَالِ الْمِلْكِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ فِيهِ تَابِعًا لِأُمِّهِ كَالْكِتَابَةِ.
وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي الرَّقَبَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ فِيهِ تَابِعًا لِأُمِّهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا كَانَ تَابِعًا لِأُمِّهِ فِي الزَّكَاةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِأُمِّهِ فِي الرَّهْنِ.
وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الرَّهْنُ مَحْلُوبٌ وَمَرْكُوبٌ " فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ ثَبَتَ أَنَّهُ لِلرَّاهِنِ، وَلِرِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلًا وَمُسْنَدًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال " لا يغلق الرهن الرَّهْنُ مِنْ رَاهِنِهِ الَذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ " وَغُنْمُهُ نَمَاؤُهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غُنْمَهُ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ خَارِجًا مِنَ الرَّهْنِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّهُ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ وَإِنَّمَا نَخْتَلِفُ فِي خُرُوجِهِ مِنَ الرَّهْنِ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَ غُنْمَ الرَّهْنِ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَدُخُولُهُ فِي الرَّهْنِ يَمْنَعُ مِنْ إِطْلَاقِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرَّقَ فِي الْحَدِيثِ بَيْنَ الرَّهْنِ وَبَيْنَ غُنْمِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّهْنَ عَلَى مِلْكِ رَاهِنِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا أَضَافَهُ إِلَيْهِ مِنْ غُنْمِهِ مُخَالِفٌ لِمَا لَمْ يُضِفْهُ إِلَيْهِ مِنْ رَهْنِهِ وَلَا وَجْهَ يَخْتَلِفَانِ فِيهِ إِلَّا خُرُوجُهُ مِنَ الرَّهْنِ وَعَدَمُ دُخُولِهِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ نَمَاءٌ مُنْفَصِلٌ مِنَ الرَّهْنِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ خَارِجًا مِنَ الرَّهْنِ كَالْكَسْبِ وَلِأَنَّ النَّمَاءَ عَيْنٌ يَصِحُّ أَنْ تُفْرَدَ بِالْعَقْدِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَدْخُلَ فِي الرَّهْنِ إِلَّا بِعَقْدٍ كَالْأُمِّ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ فِي الْحَقِّ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْرِيَ حُكْمُهُ لِلْوَلَدِ كَالشَّهَادَةِ وَالضَّمَانِ.
وَلِأَنَّهَا عَيْنٌ مُحْتَبَسَةٌ لِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ زَوَالِ مِلْكِ مَالِكِهَا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتْبَعَهَا وَلَدُهَا كَالْعَيْنِ الَّتِي آجَرَهَا، وَلِأَنَّ حَقَّ الْجِنَايَةِ آكَدُ ثُبُوتًا مِنْ حَقِّ الرَّهْنِ، لِأَنَّ حَقَّ الْجِنَايَةِ يَطْرَأُ عَلَى الرَّهْنِ وَحَقُّ الرَّهْنِ لَا يَطْرَأُ عَلَى الْجِنَايَةِ، ثُمَّ كَانَ حَقُّ الْجِنَايَةِ مَعَ تَأَكُّدِهِ لَا يَسْرِي عَلَى وَلَدِ الْجَانِيَةِ، فَحَقُّ الرَّهْنِ مَعَ ضَعْفِهِ أَوْلَى أَلَّا يَسْرِيَ إِلَى وَلَدِ الْمَرْهُونَةِ.
وَتَحْرِيرُ عِلَّتِهِ، أَنَّهُ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِالرَّقَبَةِ لِاسْتِيفَائِهِ مِنْهَا، فَوَجَبَ أَلَّا يَسْرِيَ إِلَى وَلَدِهَا كَالْجِنَايَةِ، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النَّمَاءِ الْمُتَّصِلِ فَمُنْتَقَضٌ أَوَّلًا بِالْكَسْبِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْمُتَّصِلِ أَنَّهُ تابع للأصل فِي مَوْضِعِ الْأُصُولِ، لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ عَنْهُ وَالْمُنْفَصِلُ غير تابع للأصول لتمييزه عنه ألا ترى أن المتصل تابع للأصل في الإجارة والجناية والبيع إذا رد بعيب، فَكَذَلِكَ يَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الرَّهْنِ، وَالْمُنْفَصِلُ لَا يَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْجِنَايَةِ وَلَا الْمَبِيعِ إِذَا رُدَّ بِعَيْبٍ، فَكَذَلِكَ لَا يَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الرَّهْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute