وروى يزيد بن أبي حبيب عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو أَيُّوبَ غَازِيًا، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ يَوْمَئِذٍ عَلَى " مِصْرَ " فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ يَا عُقْبَةُ؟ فَقَالَ: شُغِلْنَا فَقَالَ أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى فِطْرَتِي مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إِلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ ".
فَكَانَ صَرِيحُ الْخَبَرِ، وَإِنْكَارُ أَبِي أَيُّوبَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا إِلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ.
وَرَوَتْ عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى سُنَّتِي مَا بَكَّرُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ.
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَهَا لَيْسَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ سُنَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخَّرَ لَيْلَةً الْمَغْرِبَ حَتَّى طَلَعَ نَجْمَانِ فَأَعْتَقَ رَقَبَتَيْنِ قَالَ: " صَلُّوا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَالْفِجَاجُ مُسْفِرَةٌ "، وَهَذَا بِمَشْهَدِ الصَّحَابَةِ فَدَلَّ هَذَا مَعَ إِنْكَارِ أَبِي أَيُّوبَ عَلَى عُقْبَةَ عَلَى أَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَغْرِبِ إِلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَوَاقِيتِ أَصْلًا مُعْتَبَرًا وَلَكِنْ يُقَابَلُ بِهِ مَا أَوْرَدَهُ فَهُوَ أَنَّهَا صَلَاةُ فَرْضٍ لَا تَقْصُرُ فَوَجَبَ أَنْ يَنْفَصِلَ وَقْتُهَا عَنْ وَقْتِ مَا بَعْدَهَا كَالصُّبْحِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ فَرْضٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا فِي الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ كَعَدَدِهَا أَصْلُهُ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ لَمَّا كَانَتْ شَفْعًا فِي الْعَدَدِ كَانَتْ شَفْعًا فِي الْوَقْتِ، وَالْمَغْرِبِ لَمَّا كَانَتْ وِتْرًا فِي الْعَدَدِ كَانَتْ وِتْرًا فِي الْوَقْتِ، وَقَدْ قِيلَ: فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر: ٣] أَنَّهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ مِنْهَا شَفْعٌ كَالظُّهْرِ، وَوِتْرٌ كَالْمَغْرِبِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ فَقِيلَ: إِنَّكَ وَصَلْتَهُ فَقَالَ إِنْ كُنْتُ مَجْنُونًا فَقَدْ أَفَقْتُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَلْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ فِي الضَّعْفِ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، كَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَقَالَ مُسْلِمٌ: لَا يُحَدَّثُ بِهَذَا وَأُمْرِضَ سَمِعَهُ فَضَرَبَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ غَلِطَ فِيهِ ابْنُ فُضَيْلٍ، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا أَنَّ لَهَا وَقْتًا وَاحِدًا، ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا هَذِهِ الْأَخْبَارَ الثَّلَاثَةَ لَجَازَ أَنْ نَسْتَعْمِلَهَا عَلَى وَقْتِ الِاسْتِدَامَةِ دُونَ الِابْتِدَاءِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِصْطَخَرِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَمَّا قِرَاءَةُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " بِالْأَعْرَافِ فِي الْمَغْرِبِ " فَفِيهِ أَجْوِبَةٌ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute