للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَمْسَةُ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ لِعَانُ الزَّوْجَةِ بِإِسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهَا لَا غَيْرَ وَإنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِالْفُرْقَةِ يَكُونُ تَنْفِيذًا وَلَا يَكُونُ إِيقَاعًا.

وَقَالَ مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَدَاوُدُ: إِنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِلِعَانِ الزَّوْجَيْنِ وَلَا تَقَعُ بِلِعَانِ أَحَدِهِمَا، وَيَكُونُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِالْفُرْقَةِ تَنْفِيذًا لَا إِيقَاعًا، فَخَالَفُوا الشَّافِعِيَّ فِي وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِلِعَانِهِمَا وَوَافَقُوهُ فِي أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بها تنفيذاً وَلَيْسَ بِإِيقَاعٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْفُرْقَةُ لَا تَقَعُ إِلَّا بِلِعَانِهِمَا وَتَفْرِيقِ الْحَاكِمِ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِهَا إِيقَاعًا لَهَا لَا تَنْفِيذًا وَيَكُونُ إِيقَاعُهُ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَاسْتَدَلُّوا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَقَعُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَاعَنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ لِعَانِهِمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَقَعُ بِلِعَانِ أَحَدِهِمَا، وَجَعَلَ مَالِكٌ حُكْمَهُ بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ لِعَانِهِمَا تَنْفِيذًا وَجَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إِيقَاعًا، وَلِأَنَّ الْعَجْلَانِيَّ قَالَ: إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَقَدْ كَذَبْتُ عَلَيْهَا وَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلَوْ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِهِ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا قَالَهُ مِنْ إِمْسَاكِهَا، وَمَا أَوْقَعَهُ مِنْ طَلَاقِهَا، وَفِي إِقْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَقَعْ بَيْنَهُمَا، وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهَا فُرْقَةٌ لَا يَثْبُتُ سَبَبُهَا إِلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَلَمْ تَقَعْ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ كَالْعُنَّةِ الَّتِي لَمْ يَثْبُتُ سَبَبُهَا فِي ضَرْبِ الْمُدَّةِ إِلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَلَمْ تَقَعِ الْفُرْقَةُ فِيهَا إِلَّا بِحُكْمٍ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ سَبَبٌ يَخْرُجُ بِهِ الْقَاذِفُ مِنْ قَذْفِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَقَعَ الْفُرْقَةُ إِلَّا بِحُكْمٍ كَالْبَيِّنَةِ.

وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَقَعُ إِلَّا بِمَا يَخْتَصُّ بِأَلْفَاظِهَا مِنْ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ، وَلَيْسَ فِي اللِّعَانِ صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةٌ وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِلْعَجْلَانِيِّ حِينَ عَرَضَ عَلَيْهِ اللَّعْنَةَ الْخَامِسَةَ بَعْدَ الشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ: " إِنَّهَا الْمُوجِبَةُ " إِبَانَةً عَنْهَا فِي وُقُوعِ أَحْكَامِ اللِّعَانِ بِهَا، فَدَلَّ ثُبُوتُهَا بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ.

وروى سعيد بن جبير عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْمُتَلَاعِنَانِ إِذَا تَفَرَّقَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا ".

وقد روى أبو بمالك عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَالَا: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْمُتَلَاعِنَانِ أَبَدًا. وَذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمْ يَجْعَلْ لِغَيْرِهِمَا تَأْثِيرًا فِي وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا. وَهَذَا يَدْفَعُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ: " حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ، لَا سَبِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>