للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكَ عَلَيْهَا " قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي، قَالَ: " لَا مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَهُوَ أَبْعَدُ لَكَ ". فَكَانَ قَوْلُهُ: لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا إِخْبَارًا عَنْ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا، وَلَيْسَ بِإِيقَاعٍ لِلْفِرْقَةِ، لِأَنَّ إِيقَاعَ الْفُرْقَةِ أَنْ يَقُولَ: " قَدْ فَرَّقْتُ بَيْنَكُمَا " فَدَلَّ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ عَلَى تَقَدُّمِهَا قَبْلَ خَبَرِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّهَا فُرْقَةٌ تَجَرَّدَتْ عَنْ عِوَضٍ، فَإِذَا لَمْ يَجُزْ تَفَرُّدُ الزَّوْجَةِ بِهَا جَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ الزَّوْجُ بِهَا كَالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ يَمْنَعُ إِقْرَارَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِيهِ تَنْفِيذًا لَا إِيقَاعًا كَالْبَيِّنَةِ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ، وَلِأَنَّ الْأَقْوَالَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي الْفُرْقَةِ، لَا يُفْتَقَرُ إِلَى وُجُودِهَا مِنْ جِهَتِهَا كَالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ عِنْدِنَا وَشَهَادَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْحُكْمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُ بِتَنْفِيذٍ وَلَيْسَ بِإِيقَاعٍ، وَلِأَنَّ حُكْمَ التَّنْفِيذِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ كَالْحَاكِمِ بِشَهَادَةٍ أَوْ يَمِينٍ، وَحُكْمَ الْإِيقَاعِ لَا يَجُوزُ إِلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ كَالْفَسْخِ فِي الْعُنَّةِ وَالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ، وَفُرْقَةُ اللِّعَانِ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى طَلَبٍ فَدَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِهَا بِالتَّنْفِيذِ دُونَ الْإِيقَاعِ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ تَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ، وَيَنْتَفِي بِهِ النَّسَبُ، فَلَمَّا اخْتَصَّ نَفْيُ النَّسَبِ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ بِمَثَابَتِهِ، لِأَنَّهُ أَحَدُ حُكْمَيِ اللِّعَانِ.

فَإِنْ مَنَعُوا مِنْ نَفْيِ اللِّعَانِ النَّسَبَ، بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ، وَادَّعَوْا أَنَّهُ لَا يَنْتَفِي إِلَّا بِالْحُكْمِ بَعْدَ لِعَانِهِمَا. كَانَ فَاسِدًا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ لِعَانَ الزَّوْجِ يَتَضَمَّنُ نَفْيَ النَّسَبِ، وَلِعَانَ الزَّوْجَةِ يَتَضَمَّنُ إِثْبَاتَ النَّسَبِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَعَلَّقَ نَفْيُهُ إِلَّا بِقَوْلِ النَّافِي دُونَ الْمُثْبِتِ اعْتِبَارًا بِالْمُوَافَقَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ وَنَفْيِهِ بِالزَّوْجِ دُونَ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ وَنَفَتْهُ، لَمْ يُؤَثِّرْ نَفْيُهَا، وَلَوْ نَفَاهُ وَأَقَرَّتْ بِهِ لم يؤثر إقرارها، ولو استلتحقه بعد نفيه بلعانهما ألحق به وإن أَقَامَتْ عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ، فَاقْتَضَى بِهَذَيْنِ أَنْ يَكُونَ نَفْيُ النَّسَبِ مُخْتَصًّا بِلِعَانِ الزَّوْجِ، وَإِذَا اخْتَصَّ بِهِ كَانَتِ الْفُرْقَةُ بِمَثَابَتِهِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عن استدلالهم بأن رسول الله

فرق بيت الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ لِعَانِهِمَا، فَهُوَ أَنَّهَا قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ لَا يُدَّعَى فِيهَا الْعُمُومُ فَاحْتَمَلَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَكَانِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُفَرِّقَ بينهما في النكاح ويتحمل وهو الأشبه أن يكن أَخْبَرَهُمَا بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِيهِ " وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ، وَقَدْ كَانَ لَاحِقًا بِهَا "، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِلُحُوقِهِ بِهَا دُونَ الزَّوْجِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْعَجْلَانِيِّ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْهُ، فَقَدْ أَنْكَرَهُ بِقَوْلِهِ: " لَا سَبِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>