للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ ثُمَّ وَضَعَتْ وَلَدًا، فَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وقت الطلاق كان لاحقاً بِالزَّوْجِ إِجْمَاعًا، وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا أَوْ إِلَى أَرْبَعِ سِنِينَ، وَهِيَ خَلِيَّةٌ مِنْ زَوْجٍ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَاحِقٌ بِالْمُطَلِّقِ وَلَا يَكُونُ إِقْرَارُهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مُبْطِلًا لِنَسَبِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُلْحَقُ بِهِ وَتَابَعَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الْحُكْمَ بِانْقِضَاءِ، عِدَّتِهَا قَدْ أَبَاحَهَا لِلْأَزْوَاجِ فَانْقَطَعَتْ بِهِ أَسْبَابُ الْأَوَّلِ فَلَوْ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ لَمَا كَانَتْ أَسْبَابُهُ مُنْقَطِعَةً وَلَمَا كَانَتْ مُبَاحَةً لِلْأَزْوَاجِ وَلَنَقَضْنَا حُكْمًا قَدْ نَفَذَ عَلَى الصِّحَّةِ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ وَمُجَوَّزٍ وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ جَائِزٍ فَامْتَنَعَ بِهِ لُحُوقُ الْوَلَدِ.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّهَا أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْفِرَاشِ وَانْقِطَاعِ أَحْكَامِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُلْحَقَ بِهِ كَمَا لَوْ وَضَعَتْهُ لَأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَلِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى عِدَّتِهَا وَمُصَدَّقَةٌ فِي انقضائها فوجب أن يُحْكَمَ بِإِبْطَالِهَا مَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَذِبُهَا اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْأُمَنَاءِ وَفِي لُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ تَكْذِيبٌ لَهَا فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ وَلِأَنَّهَا أَتَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عَدَّتِهَا بِحَمْلٍ لِتَمَامٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُلْحَقَ بِهِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ ثُمَّ وَضَعَتْهُ لِتَمَامٍ.

قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا انْتَفَى عَنْهُ وَلَدُ أَمَتِهِ إِذَا وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا وَجَبَ أَنْ يَنْتَفِيَ عَنْهُ حَمْلُ زَوْجَتِهِ إِذَا وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ عِدَّتِهَا.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ومعلوم أَنَّهُ لَيْسَ الْخَبَرُ مَقْصُورًا عَلَى أَنْ تَلِدَهُ عَلَى فِرَاشِهِ، لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْفِرَاشِ لَأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَ بِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَمَلَتْ بِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، وَهَذَا الْوَلَدُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَمَلَتْ بِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَوَجَبَ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ لَاحِقًا بِهِ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِالشُّهُورِ تَارَةً وَبِالْأَقْرَاءِ تَارَةً أُخْرَى ثُمَّ وَافَقُونَا أَنَّ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ لَا تَمْنَعُ مِنْ لُحُوقِ الْوَلَدِ فَكَذَلِكَ إِذَا انْقَضَتْ بِالْأَقْرَاءِ.

وَيَتَحَرَّرُ مِنْ ذَلِكَ قِيَاسَانِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ لَحِقَ بِالْإِمْكَانِ إِذَا انْقَضَتِ الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ لَحِقَ بِالْإِمْكَانِ إِذَا انْقَضَتِ الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ كَالْمَوْلُودِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ لَحِقَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْعِدَّةِ جَازَ أَنْ يَلْحَقَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْعِدَّةِ كَالْمُعْتَدَّةِ بِالشُّهُورِ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ فِي الِابْتِدَاءِ يُلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ إِذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلِّ الْحَمْلِ فَوَجَبَ أَنْ يُلْحَقَ فِي الِانْتِهَاءِ لِإِمْكَانِ إِذَا وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرِ الْحَمْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>