فَأَمَّا الْحَامِلُ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] .
وَأَمَّا الْحَائِلُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى.
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا.
وَمِنَ التَّابِعِينَ: شُرَيْحٌ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى.
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءٌ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الزُّهْرِيُّ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ.
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ ابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا.
وَمِنَ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ بِالْمَدِينَةِ.
فَأَمَّا الْكَلَامُ فِي النَّفَقَةِ فَيَأْتِي.
وَأَمَّا السُّكْنَى فَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَهُ بِمَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: بَتَّ زَوْجِي طَلَاقِي فَلَمْ يَجْعَلْ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَفَقَةً وَلَا سُكْنَى، وَقَالَ: إِنَّمَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِمَنْ يَمْلِكُ زَوْجُهَا رَجْعَتَهَا.
وَرَوَى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ، وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا لَكَ عَلَيَّ مِنْ شَيْءٍ، وَإِنَّمَا نَتَطَوَّعُ عَلَيْكِ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ قَالَ: تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، قِيلَ: لِأَنَّهَا كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى، اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ حَيْثُ شِئْتِ قَالُوا: وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ والسكنى يجريان مجرى واحد لاجتماعهما في