الْوُجُوبِ وَفِي السُّقُوطِ؛ لِأَنَّهَا فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، فَإِنْ نَشَزَتْ سَقَطَتِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى فَإِنْ طُلِّقَتْ رَجْعِيَّةً فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، فَإِنْ طُلِّقَتْ مَبْتُوتَةً فَلَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا السُّكْنَى. وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّ مَا أَسْقَطَ النَّفَقَةَ تُسْقِطُ السُّكْنَى كَالْمَوْتِ، وَالنُّشُوزِ؛ وَلِأَنَّ السُّكْنَى مِنْ مُوجِبَاتِ النِّكَاحِ وَالْمَبْتُوتَةُ قَدْ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ مُوجِبَاتِ النِّكَاحِ كَالنَّفَقَةِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: ١] يَعْنِي مِنْ بُيُوتِ أَزْوَاجِهِنَّ بَعْدَ طَلَاقِهِنَّ.
لِأَنَّ بُيُوتَهُنَّ لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهُنَّ مِنْهَا بِحَالٍ وَلَوْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، وَالْفَاحِشَةُ الْمُبَيِّنَةُ ها هنا مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ تَبْدُوَ عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا، فَدَلَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ السُّكْنَى فِي عُمُومِ الْمُطَلَّقَاتِ فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الرَّجْعِيَّةُ دُونَ الْمَبْتُوتَةِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١] يَعْنِي رَجْعَةً.
فَعَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يُحْدِثُهُ نِكَاحًا.
وَالثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَامًّا فِي الرَّجْعِيَّةِ وَالْمَبْتُوتَةِ، وَآخِرُهُ خَاصًّا فِي الرَّجْعِيَّةِ دُونَ الْمَبْتُوتَةِ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الزَّوْجَاتِ وَالْمُطَلَّقَاتِ وَإِنْ كَانَ بِالْمُطَلَّقَاتِ أَخَصَّ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِفُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ، وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حِينَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ زَوْجَهَا قُتِلَ، وَلَمْ يَتْرُكْهَا فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ فَلَمَّا أَوْجَبَ السُّكْنَى لَهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَأَوْلَى أَنْ تَجِبَ لَهَا فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ، وَلِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ مِنْ طَلَاقٍ فَوَجَبَ لَهَا السُّكْنَى كَالرَّجْعِيَّةِ.
فَأَمَّا حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَكَانَ لِإِخْرَاجِهَا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِسَبَبٍ كَتَمَتْهُ وَقَدْ وَرَدَ مِنْ طَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا رَوَاهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ فَسَأَلْتُ عَنْ أَفْقَهِ النَّاسِ بِهَا فَقَالُوا: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ سُكْنَى الْمَبْتُوتَةِ فَقَالَ: لَهَا السُّكْنَى، فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ: تِلْكَ امْرَأَةٌ فتنت الناس كان في لسانها ذرابة فَاسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا فَنَقَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِطُولِ لِسَانِهَا.
وَالثَّانِي: مَا رُوِيَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ فَانْتَقَلَهَا أَبُوهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى مَرْوَانَ اتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدِ الْمَرْأَةَ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute