وَقَعَ التَّحْرِيمُ بِأَقَلَّ مِنْهَا بَطَلَ أَنْ تَكُونَ الخمس ناسخاً، وصار منسوخاً كالعشر وهذا خلال النَّصِّ وَمُسْقِطٌ لِتَعَدِّي الْخَمْسِ.
وَاعْتَرَضُوا عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ قَالُوا فِيهِ إِثْبَاتٌ لِذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّكُمْ أَثْبَتُّمُ الْقُرْآنَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِأَخْبَارِ التَّوَاتُرِ وَالِاسْتِفَاضَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنَ القرآن لكان مثبتاً في المصحف متلو فِي الْمَحَارِيبِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقُرْآنِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّا أَثْبَتْنَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ حُكْمًا لَا تِلَاوَةً وَرَسْمًا وَالْأَحْكَامُ تَثْبُتُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ سَوَاءٌ أُضِيفَتْ إِلَى السُّنَّةِ، أَوْ إِلَى الْقُرْآنِ كَمَا أَثْبَتُوا بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ " فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ " حُكْمَ التَّتَابُعِ، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبُوا تِلَاوَتَهُ فَإِنِ اسْتَفَاضَ نَقْلُهُ ثَبَتَ بِالِاسْتِفَاضَةِ تِلَاوَتُهُ وَحُكْمُهُ.
وَمِثَالُهُ مَا نَقُولُ فِي السَّرِقَةِ إِذَا شَهِدَ بِهَا شَاهِدَانِ ثَبَتَ الْمَالُ وَالْقَطْعُ، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ ثَبَتَ الْمَالُ، وَلَمْ يَثْبُتِ الْقَطْعُ، لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْقَطْعِ مَفْقُودَةٌ وَبَيِّنَةَ الْمَالِ مَوْجُودَةٌ كَذَلِكَ خَبَرُ الِاسْتِفَاضَةِ بَيِّنَةٌ فِي إِثْبَاتِ التِّلَاوَةِ، وَالْحُكْمُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ بَيِّنَةٌ فِي إِثْبَاتِ الْحُكْمِ دُونَ التِّلَاوَةِ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا مَنْسُوخُ التِّلَاوَةِ ثَابِتُ الْحُكْمِ فَكَانَ وُرُودُهُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَالْآحَادِ سَوَاءً فِي إِثْبَاتِ حُكْمِهِ، وَسُقُوطِ تِلَاوَتِهِ كَالَّذِي رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ " وَالشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ " وَلَوْلَا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عَمَرُ فِي الْقُرْآنِ لَكَتَبْتُهَا فِي حَاشِيَةِ الْمُصْحَفِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنَ الْمَتْلُوِّ لَكَتَبْتُهَا مَعَ الْمَرْسُومِ الْمَتْلُوِّ وَإِنَّمَا أراد بكتبتها في الحاشية، لأن لا يَنْسَاهَا النَّاسُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ لِئَلَّا تَصِيرَ مَتْلُوَّةً، لِأَنَّ الْمَنْسُوخَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
قِسْمٌ نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَحُكْمُهُ كَالَّذِي رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي اللَّيْلِ لِيَقْرَأَ سُورَةً فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا ثُمَّ سَأَلَ آخَرَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا فَأَتَى جَمِيعُهُمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهَا رُفِعَتِ اللَّيْلَةَ مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَبَقِيَتْ تِلَاوَتُهُ كَالْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالِاعْتِدَادِ بِالْحَوْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute