يَخْلُ حَالُ تَجْوِيزِهِمْ لِذَهَابِهِ مِنْ أَنْ يُقَدِّرُوهُ بِمُدَّةٍ أَوْ لَا يُقَدِّرُوهُ فَإِنْ قَدَّرُوهُ بِمُدَّةٍ فَقَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ سَنَةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ بَعْدَهَا، فَإِنْ ذَهَبَ فِيهَا وَإِلَّا فَقَدَ سَلِمَ مِنْهَا عُمِلَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ، وَوُقِفَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ سَنَةً فَإِنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فِيهَا كَانَ الْجَانِي مَأْخُوذًا بِالْقَوَدِ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ، وَإِنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ بَعْدَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي، وَيُؤْخَذُ بِالْحُكُومَةِ إِذَا كَانَ لِجِنَايَتِهِ أَثَرٌ، وَلَا يُعَزَّرُ وَلَا حُكُومَةَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَثَرٌ وَيُعَزَّرُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ جَنَى عَلَى عَيْنِهِ آخَرُ فَفَقَأَهَا قَبْلَ ذَهَابِ بَصَرِهِ كَانَ الثَّانِي هُوَ الْمَأْخُوذَ فِيهَا بِالْقَوَدِ وَالدِّيَةِ دُونَ الْأَوَّلِ، سَوَاءٌ فَقَأَهَا قَبْلَ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا، لِأَنَّهُ جَنَى وَالْبَصَرُ بَاقٍ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: إِذَا شَهِدُوا بِذَهَابِ بَصَرِهِ فِي الْحَالِ وَمَا بَعْدَهَا فَيُحْكَمُ لَهُ بِالْقَوَدِ فِي الْعَبْدِ إِذَا شَهِدَ مِنْ عُدُولِهِمْ رَجُلَانِ، وَبِالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ إِذَا شَهِدَ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، فَلَوْ عَادَ بَصَرُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ قُضِي لَهُ بِالدِّيَةِ أَوِ الْقَوَدِ فَالْمَذْهَبُ أَنْ لَا دَرْكَ عَلَيْهِ بِعَوْدِهَا فِيمَا قَضَى لَهُ مِنْ قَوَدِهَا أَوْ دِيَتِهَا، لِأَنَّ عَوْدَهَا بِهَا مِنْ عَطَايَا اللَّهِ تَعَالَى وَهِبَاتِهِ، وَلِلشَّافِعِيِّ فِي سِنِّ الْمَثْغُورِ إِذَا قُلِعَتْ وَاقْتُصَّ مِنْهَا أو أخذ ديتها ثم عادت فيثبت قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ رَدُّ دِيَتِهَا، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَخْرِيجِهِ فِي الْعَيْنِ إِذَا عَادَ بَصَرُهَا هَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّ دِيَتِهَا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا إِذَا عَادَ بَصَرُهَا كَمَا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا فِي السِّنِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الدِّيَةِ بِعَوْدِ الْبَصَرِ، وَيَلْزَمُهُ رَدُّهَا بِعَوْدِ السِّنِّ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عَوْدَ السِّنِّ مَعْهُودٌ فِي جِنْسِهِ وَعَوْدُ الْبَصَرِ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي جِنْسِهِ فَاخْتَلَفَا فِي الرَّدِّ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي مَعْهُودِ الْعَوْدِ، وَعَلَى هَذَا لَوِ اقْتُصَّ مِنْ بَصَرِ الْجَانِي فَعَادَ بَصَرُهُ بَعْدَ الْقِصَاصِ لَمْ يُؤْخَذْ بِذَهَابِهِ ثَانِيَةً عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهَلْ يُؤْخَذُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ فِي السِّنِّ أَمْ لَا؟ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي أَحَدِهِمَا وَيُؤْخَذُ بِهِ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ ثَانِيَةً، فَإِنْ عَادَ بَعْدَهَا اقْتُصَّ مِنْهُ أَبَدًا حَتَّى يَذْهَبَ فَلَا يَعُودَ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: إِذَا شهدوا بِذَهَابِ بَصَرِهِ فِي الْحَالِ وَجَوَازِ عَوْدِهِ فِي ثاني حال فَلَا يَخْلُو حَالُهُمْ فِيهِ مِنْ أَنْ يُقَدِّرُوا زَمَانَ عَوْدِهِ أَوْ لَا يُقَدِّرُوا، فَإِنْ لَمْ يُقَدِّرُوا وَقَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْأَبَدِ إِلَى وَقْتِ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلَا إِيَاسٍ لَمْ تُوجِبْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ تَوَقُّفًا عَنِ الْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ، وَأُخِذَ الْجَانِي بِهِمَا فِي الْحَالِ، لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مَانِعٌ مِنْ تَعْلِيقِهِ بِشَرْطٍ يُفْضِي ثُبُوتُهُ إِلَى سُقُوطِهِ.
وَإِنْ قَدَّرُوا الْمُدَّةَ وقالوا: يجوز أن يعود إلى سنة [إن كَانَ مِنْ ظُلْمَةٍ غَطَّتِ الْبَاطِنَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ بَعْدَهَا، لِأَنَّهُ مِنْ ذَهَابِ الْبَاطِنِ حُبِسَ الْجَانِي، وَوُقِفَ الْبَصَرُ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute