أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ ذَلِكَ مُجَوَّزًا فِي الْعَقْلِ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى الْمَأْمُورِ حُكْمُ الْآمِرِ كَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى الْآمِرِ حُكْمُ الْمَأْمُورِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمَأْمُورِ رَافِعًا لِقَوْلِ الْآمِرِ، لِأَنَّ الْآمِرَ مُطَاعٌ وَالْمَأْمُورَ مُطِيعٌ.
فَأَمَّا نَسْخُ السُّنَّةِ بالقرآن ففيه للشافعي قولان: أظهرهما: لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالتَّجَانُسِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْتَنَعُ رَفْعُ الأخف بالأعلى وإن امتنع رفع الأعلى بِالْأَخَفِّ.
فَإِذَا ثَبَتَ مِنْ أَصْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ نَسْخَ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، لَا يَجُوزُ، فَفِي نَسْخِ الرَّجْمِ لِإِمْسَاكِهِنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا وَجْهَانِ يَسْلَمُ معهما أن يُنْسَخَ الْقُرْآنُ بِالسُّنَّةِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: ١٦] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْإِمْسَاكِ فِي الْبُيُوتِ حَدٌّ إِلَى غَايَةٍ غَيْرِ مُؤَبَّدَةٍ فَخَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْمَنْسُوخِ الَّذِي يَقْتَضِي ظَاهِرَ لَفْظِهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْعِبًا لِجَمِيعِ الْأَزْمَانِ كَمَا اقْتَضَى ظَاهِرُ الْعُمُومِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْعِبًا لِجَمِيعِ الْأَعْيَانِ، فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ) كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بَيَانًا لِانْقِضَاءِ زَمَانِ إِمْسَاكِهِنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ وَلَمْ يَكُنْ نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ قَدَّرَ بِهِ مُدَّةً لَا تَقْتَضِي التَّأْبِيدَ، وَلَوِ اقْتَضَتِ التأبيد لصار نسخاً مخرج ذَلِكَ عَنْ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ، وَصَارَ بَيَانُ القرآن بالسنة.
والوجه الثاني: أنه منسوخ بما كان متلواً من القرآن ثم نسخ رسمه وبقي حكمه فهو مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ سُنَّتْ لَكُمُ السُّنَنُ وَفُرِضَتْ لَكُمُ الْفَرَائِضُ وَتُرِكْتُمْ عَلَى الْوَاضِحَةِ إِلَّا أَنْ تَضِلُّوا، إِيَّاكُمْ أَنْ تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل: لا يجد حَدَّيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: زَادَ ابْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute